ففرق أي أفلاطن بين العقل والحس وبين طبيعة الآنيات الحقية وبين الأشياء المحسوسة وصير الآنيات الحقية دائمه لا تزول عن حالها وصير الأشياء الحسية داثرة واقعه تحت الكون والفساد فلما فرغ من هذا التميز بدا وقال إن علة الآنيات الحقية التي لا أجرام لها والأشياء الحسية ذوات الأجرام واحده وهي الآنية الأولى الحق.
ثم قال إن الباري الأول الذي هو علة الآنيات العقلية الدائمة والآنيات الحسية الداثرة هو الخير المحض والخير لا يليق لشئ من الأشياء الا به وكل ما كان في العالم الاعلى والعالم الأسفل خير فليس ذلك من طباعها ولا من طباع الآنيات العقلية لكنها من تلك الطبيعة العالية وكل طبيعة عقلية أو حسية منها باديه فان الخير انما ينبعث من الباري في العالمين.
ثم قال إن الآنية الأولى الحق هي التي تفيض على العقل الحياة أولا ثم على النفس ثم على الأشياء الطبيعية وهو الباري الذي هو خير محض انتهى كلام هذا الفيلسوف ناقلا عن أستاذه.
وقال في موضع آخر من كتاب أثولوجيا ان الأشياء العقلية يلزم الأشياء الحسية والباري لا يلزم الأشياء العقلية والحسية بل هو ممسك لجميع الأشياء غير أن الأشياء العقلية هي آنيات حقية لأنها مبتدعة من العلة الأولى بغير وسط واما الأشياء الحسية فهي آنيات داثرة لأنها رسوم الآنيات الحقية ومثالها وانما قوامها ودوامها بالكون والتناسل كي تدوم وتبقى تشبها بالأشياء العقلية الثابتة الدائمة.
أقول كلامه نص على فساد هذا العالم ودثوره واما معنى ما ذكره من لزوم العقليات للحسيات وعدم لزوم الباري للأشياء وكون الثابت له امساك الكل والفرق بين اللزوم والامساك فهو ان لكل طبيعة نوعيه داثرة صوره عقلية ثابته عند الله هي المقومة لها وذات عناية بها وهي متعددة الآنيات حسب تعدد الأنواع الطبيعية والباري إحدى الذات نسبه ذاته إلى الجميع نسبه واحده قيومية.