والكمال يثبت بثلاثة أشياء: بالتمام في الخلقة، وفي الحكم، والاضطلاع بالأمر، والأخلاق الحميدة.
ولا يجوز القيام بذلك من جهة من ليس إليه ذلك إلا مكرها، إذا نوى القيام به جهة من إليه ذلك، وكان أهلا له، وحكم بالحلق، فإن عرض حكمه للمؤمنين في حال انقباض يد الإمام فهي إلى فقهاء شيعتهم، فإذا تقلد القضاء من له ذلك اجتهد في إقامة الحق، وعمل بكتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه السلام والإجماع لا غير، فإن اشتبه عليه توقف حتى يتضح له، فإن حكم بخلاف الحق سهوا أو خطا، ثم بان له رجع ونقض ما حكم به.
فإذا أراد الجلوس للقضاء أختار مجلسا بارزا واسعا، ليصل إليه من له إليه حاجة، ووسط البلد أفضل من الطوف. وأمر أن يفرش له فرش يجلس عليه تمييزا له وهيبة، وتوضأ ولبس أحسن ثيابه وأنظفها، وفرغ نفسه للقضاء عن كل ما يشغله، أو يلفته عنه من الغضب، والجوع، والعطش، والخوف، والحزن، وكل فكر يضر بشئ من ذلك، وبرز على حسن سمت، ووقار، ودخل مجلس حكمه، وصلى ركعتين إن كان في المسجد، وسلم على كل من سبقه إليه، وجلس مستدبر القبلة.
وينبغي أن يختار ثلاثة نفر ثقة يقوم على رأسه لترتيب الخصوم أولا. وكاتبا عدلا فقيها عالما عفيفا عن الطمع، ويجلسه بين يديه ليكتب ما يحتاج إليه بنظره.
وقساما عارفا ثقة يقسم بين الناس أموالهم، ويحضر الشهود ليستوفي بهم الحقوق، ويثبت بهم الحجج، والمحاضر، والسجلات.
ويحضر العلماء ليشاورهم فيما يحتاج إليه، وينبهوه على وجه الصواب، ثم يأخذ ديوان الحكم من الحاكم الذي كان قبله، وينظر في حال المحبوسين مع خصومهم، فإن حبسوا بحق تركهم، وإن حبسوا بباطل رد إلى الحق. وينظر