الأول: قد سمعت المدة المذكورة في التوراة العبرانية لإقامة بني إسرائيل في مصر وهي 430 سنة، وعرفت أغلاط المتكلف في حساب التاريخ، ودعوى الاكتفاء.
فاعلم بأنه قد خالفتها الترجمة السامرية، بل واليونانية، كما اعترف به المتكلف (يه 4 ج ص 4 س 17)، أو السبعينية الاسكندرانية، كما نقله عن آدم كلارك (يه 4 ج ص 6 س 22) فقد جاء فيهما ما تعريبه (وإقامة بني إسرائيل وآبائهم في أرض مصر وكنعان أربعمائة وثلاثون سنة) فاختلفت النسخة العبرانية مع هاتين النسختين في المدة التي أقامها بنو إسرائيل في أرض مصر.
وقد ذكرنا لك أن تقويم هاتين النسختين لا يتجه مع كون المبدأ لتاريخه هو تغرب إبراهيم من أرض الكلدانيين مع كون إقامة بني إسرائيل في مصر 215 سنة، كما ذكره المتكلف مرارا، وعليه تقاويمهم لأن العدد حينئذ يزيد على 430 سنة بمقدار إقامة إبراهيم في حاران، وقد زعم المتكلف في جدوليه وأصحابه في تقاويمهم أنها كانت خمس سنين، ومع ذلك يلزم أنهما تركتا ذكر حاران باعتبار إقامة إبراهيم فيها وإقامة يعقوب وبنيه أكثر من ثلاثين سنة، وأنهما أهملتا ذلك قصورا وتقصيرا، فإن حديث الاكتفاء في مثل هذا المقام عند من يعرف الاكتفاء مضحكة ومسخرة.
هذا ولو فرضوا أن إقامة بني إسرائيل في مصر 210 سنين كما زعمه المتكلف في جدوليه، وبعض اليهود في كتاباتهم لما اتجه التقويم بكون المبدأ له تغرب إبراهيم في كنعان لأن العدد حينئذ ينقص خمس سنين، فإن ادعى مدع أن المبدأ له أول تغرب إبراهيم في حاران، قلنا: من أين لهذا المدعي أن تغرب إبراهيم في حاران كان خمس سنين لكي يتم العدد؟ وهل البناء عليه إلا بالتشبث بالتخمين الوهمي، وإصلاح الفاسد المضطرب، وتطبيق الحساب الضائع، وإلا فلماذا تركتا ذكر حاران، مع ذكرهما كنعان ومصر.
الثاني: من موارد اختلاف النسخ الثلاث: قد ذكرت النسخة العبرانية تاريخ الآباء من آدم إلى إبراهيم فذكرت عمر الأب قبل ولادة الابن المذكور في السلسلة، وذكرت باقي عمره بعد ولادة ذلك الابن (فانظر تك 5، 323،