السائد والجاري في العلم التجريبي وقوانين العلوم البصريات والسمعيات وسائر الطبيعيات بل كل قوانين العلوم فإنها بأجمعها ليست إلا بنات التعليل.
لا تتوهم أنها من بنات الاستقراء والتتبع الحسي! فإن بنات الاستقراء لو جرى التتبع لأكثر الأفراد لا تكون إلا عموما ظنيا مرتعشا.
ومن ذلك حكمهم الاستقرائي الظني الواهي بأن كل حيوان ذي أذن فإنه يتناسل بالولادة. وكل حيوان ذي صماخ فإنه يتناسل بالبيض. وقفوا بذلك على الظن المتزلزل لأن العقل لم يجد فيه للتعليل سبيلا. ومهما بلغ التتبع والاستقراء باكثرة لم تصلح نتيجته لأن تدرج في قوانين العلوم ولا لأن يبنى عليها علم لكونها معرضا لظهور الخلاف كما ظهر خلاف ذلك في بعض الحيوانات الثديية في استراليا فإنها تلد وتبيض. هذه بنات الاستقراء والحس المجرد.
أما بنات التعليل أعني العلميات المحكمة القيمة فإنها تكفي فيها مشاهدة أفراد يسيرة تنبه العقل إلى التعليل الطبيعي والملازمة البينة فيجري الحكم القطعي العام لكل فرد يفرض وجوده في العالم.
يروى أن رجلا فلمنكيا جمع اتفاقا بين عدسية مزدوجة التحديب وبين أخرى مزدوجة التقعير فنظر فيهما فرأى الشيخ كبيرا قريبا فجرب والده ذلك مرارا يسيرة فاهتدى بعقله الفطري إلى التعليل الطبيعي إجمالا فاخترع النظارة المكبرة والمقربة (التلسكوب) وصار قانونها علميا فليست قوانين (التلسكوب) إلا بنات التعليل. ليست الكرامة في هذه الأمور للحس وإنما الكرامة للتعليل الذي يثبته العقل الفطري ولو من إشارة الحس وتنبيهه أحيانا. وقد أشير إلى شئ من ذلك أيضا في كتاب أنوار الهدى صحيفة 3.