تعليم القرآن الكريم بما شرحناه في فلسفة الأعمال والتروك ورجوعها إلى اختيار النفس في التفكير وذلك كما في قوله جل اسمه في الآية السابعة والثلاثين إلى الثانية والأربعين من سورة النازعات المكية (فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى).
ما من حقيقة صالحة من فعل أو ترك إلا وأرشد الله إليها بكتبه الكريمة وتبليغ أنبيائه الكرام وأخبر بأنها وسيلة رضاه ورغب إليها ووعد عليها بالجزاء الحميد.
وما من أمر فاسد إلا ونبه الله عليه وحذر من فساده وأخبر بأنه موجب لسخطه وزجر عنه بالوعيد بالعذاب الأليم.
وقد أشار الله جل اسمه في هذه الآيات إلى منشأ أعمال الانسان من حيث تفكيره واختياره وإلى وجه الحجة على المسئ واستحقاقه المسؤولية والعقاب وإلى وجه مدح المحسن واستحقاقه للكرامة. فأبان جل اسمه أن المسئ يعمل السوء بطغيان بجسديته الأهوائية فيختار أن يتبع في تفكيره أهواءه الفاسدة ويعرض عن النظر بتصوره في وجه الصالحات رغبة عنها مع مثولها لتصوره بل يقبل بوجهة فكره وتصوره على الأعمال السيئة إيثارا لمحض الحياة الدنيا وأميالها الضالة ولم يوازن بينها وبين العمل الصالح الذي يجمع له كرامة الدنيا والآخرة، ولا يختار صرف أمياله بتفكيره إلى الملاذ المباحة، كما أبان جل ذكره أن المحسن هو الذي يستعين في تفكيره على منازعة الأميال الجسدية بالنظر في تصوره إلى مقام الله ربه العظيم مولاه في جميع الأمور وولي أمر الدنيا والآخرة، العليم بكل شئ، مهيب السخط شديد النكال، فيوجه تصوره إلى خوف مقام الله ويدحر بذاك أمياله الفاسدة فيخاف ربه وينهى نفسه عن هواها فيستقيم بتفكيره في طريق الهدى والكمال والأعمال الصالحة.