أزماتهم بكل الطرق والسبل، ولو بتجريد السيف!
ولعل اشتراط الخروج والدعوة الذي يظهر من كلمات الزيدية، يراد كونه شرطا لتعريف الأمة بالإمام، والإعلان عن بدء حركته الجهادية، لا شرطا في الإمامة وثبوتها للإمام، وبهذا يقترب المذهبان.
ولنختم هذا البحث بكلام واحد من كبار علمائنا الذين عاشوا في القرن الرابع الهجري، وهو الشيخ المحدث الحافظ، المتكلم، الفقيه، أبو القاسم، علي بن محمد بن علي الخزاز القمي، فإنه قال في كتابه القيم (كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني) عشر بعد ما أورد النصوص المتضافرة على إمامتهم عليهم السلام ما نصه:
فإن قال قائل: فزيد بن علي، إذا سمع هذه الأخبار، وهذه الأحاديث من ثقات المعصومين، وآمن بها، واعتقدها، فلماذا خرج بالسيف؟ وادعى الإمامة لنفسه؟
وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد؟ وهو بالمحل الشريف الجليل، معروف بالستر والصلاح - مشهور عند الخاص والعام - بالعلم والزهد؟ وهذا ما لا يفعله إلا معاند أو جاحد، وحاشا زيدا أن يكون بهذا المحل.
فأقول في ذلك، وبالله التوفيق:
إن زيد بن علي عليه السلام خرج على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد عليهما السلام.
وإنما وقع الخلاف من جهة الناس، وذلك أن زيد بن علي عليه السلام لما خرج، ولم يخرج جعفر بن محمد عليهما السلام توهم قوم من الشيعة أن امتناع جعفر كان للمخالفة!
وإنما كان لضرب من التدبير.
فلما رأى الذين صاروا للزيدية سلفا قالوا: ليس الإمام (من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره) وإنما الإمام (من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر).
فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة، وأما جعفر وزيد عليهما السلام، فما كان بينهما خلاف (1)