هذا بغض النظر عن عملهم الدؤوب في إرشاد الناس وهدايتهم إلى الحق في أصول العقائد، ومن ذلك إعلان إمامة أنفسهم، وتعريفهم بالحق الصحيح من فروع الأحكام وعلم الشريعة، وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة، وتعليمهم سنن الحياة الحرة الكريمة، هذا العمل الذي هو الهدف لكل الأنبياء في رسالاتهم، ولكل المصلحين في نضالهم، وهو من أميز وظائف الأئمة، وأبرز واجبات الإمامة.
والظالمون من الحكام غير الإلهيين يقفون أمام مثل هذا العمل، ويعدونه تحديا لسلطانهم، ومنافيا لمصالحهم، وبناء على ذلك: فالقائم به يكون معارضا سياسيا خارجا عليهم ولو بغير سيف!
وإصرار الأئمة من أهل البيت عليهم السلام على هذا العمل، إلى جانب من كان يقوم منهم بنشاط مسلح، يدل على أن الجهاد في هذا المجال له من الأهمية والأثر في الوصول إلى الأهداف المنشودة من الإمامة، ما يوازي الحاصل من الجهاد المسلح، على أقل الاحتمالات.
ويمكن التأكد من ذلك، من خلال الممارسات العنيفة للحكام الظالمين تجاه أولئك الأئمة الذين لم يحملوا السلاح، بنفس الشكل الذي واجهوا به المجاهدين المسلحين.
فعمليات المراقبة، والمطاردة، والجلب إلى مراكز القوة والجند وعواصم الحكم، بل السجن، والتهديد، والضغط على بعض الأئمة الاثني عشر، من الأمور التي كانت قائمة ومستمرة، على الرغم من عدم مد أيديهم إلى الأسلحة الحديدية.
إن ذلك يدل بوضوح على أن الحكام عرفوا أن هؤلاء الأئمة يحاربونهم بأسلحة أفتك من السيف.
كما يعرف كل المناضلين: أن الحرب الفكرية والاختراق الثقافي من أساليب ما يسمى بالحرب الباردة، هي أشد ضراوة، وأعمق أثرا في الخصم، وأنفذ في كيانه، من الحرب بالأسلحة.
وهل يجرؤ عارف بالتاريخ الإسلامي على إنكار الأثر البارز للأئمة الاثني عشر عليهم السلام في هذا المجال؟ فضلا عن نسبة (إغلاق الباب وإرخاء الستر) إليهم!؟