فاحذروا ما حذركم الله منها، وازهدوا في ما زهدكم الله فيه منها.
ولا تركنوا إلى ما في هذه الأمور ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان.
والله! إن لكم مما فيها لدليلا، وتنبيها، من تصرف أيامها، وتغير انقلابها ومثلاتها، وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل، وتضع الشريف، وتورد أقواما إلى النار غدا، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه.
إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان، لتثبط القلوب عن تنبهها، وتذهلها عن موجود الهدى، ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله، فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالعبر فازدجر، وزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافى عن لذاتها، ورغب في دائم نعيم الآخرة، وسعى لها سعيها، وراقب الموت، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين، ونظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر، وأبصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور الملوك الظلمة.
فقد - لعمري - استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما تستدلون به على تخيب الغواة وأهل البدع، والبغي، والفساد في الأرض، بغير الحق.
فاستعينوا بالله، وارجعوا إلى طاعة الله، وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع.
فالحذر، الحذر، من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله، والوقوف بين يديه.
وتالله! ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه، وما آثر قوم - قط - الدنيا على الآخرة، إلا ساء منقلبهم، وساء مصيرهم.
وما العلم بالله والعمل بطاعته إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، وحثه الخوف على العمل بطاعة الله.
وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له، ورغبوا إليه، فقد قال الله: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * [فاطر (35) الآية: 4].
فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله،