وفي نص آخر: فهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون؟ فأين يذهب بك يا حكيم؟ (1) ففي الوقت الذي لا يواجه الإمام حكيم بن جبير بتكذيب ما نسب إلى الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام من إعلانه أمام الأمة من أن خيرهم أبو بكر ثم عمر ثم الثالث؟
فإن هذا المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام - وإن لم يصح - فهو مشهور بين الناس، بقطع النظر عن أن الإمام إنما أعلن عما عند الناس من التفضيل للشيوخ، بعد أن صار أمرا مفروضا لا يمكن مخالفته، فما فائدة إنكاره.
فإن أعاد أهل البيت عليهم السلام نفس الصيغة وتناقلوها فلا يدل على التزام، لأنه تعبير عن مظلومية علي عليه السلام حيث لم يستطع أن يصرح بخلاف ما عند العامة الغوغاء. بل كان من أهدافه في الحفاظ على وحدة كلمة المجتمع الإسلامي وسلامته في حدوده الداخلية، بينما معاوية يهدد أمن الدولة ويثير الخلاف والشقاق.
لكن الإمام السجاد عليه السلام في حديثه مع حكيم بن جبير اتخذ أسلوبا علميا فذكره بمناقضة هذا المنقول - رغم شهرته - مع الحديث المتواتر المعلوم المتيقن بصدوره، ومعناه، وأهدافه ومرماه، وهو حديث المنزلة أي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) (2).
الذي لا يمكن إنكار صدوره، ولا الاختلاف في معناه.
فإذا كان علي بهذه المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عصره وبحضور كبار الصحابة، فهل يبقى للحديث المنقول عن علي في تفضيل الشيوخ معنى، غير الذي نقلناه؟
وإذا كان الفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالترتيب المذكور عند الناس، فهل يكون لحديث المنزلة معنى؟
مع أن التاريخ والقرآن لم يذكر في بني إسرائيل شخصا أفضل من هارون بعد موسى؟