ثم إن هذا الدليل يرجع إلى إثبات تنزههم عن المذكورات من جهة سكونة الناس واعتمادهم وجلبهم نحوه ليحصل الغرض من البعث والإرسال على الوجه الأتم، وأما من جهة اقتضاء نفس مقام النبوة وتلقي الوحي فهو ساكت، ولذا أشار إليه المصنف بالدليل الثاني.
وثانيهما: أن مقام النبوة مقام لا تناله أيدي الناس، وإلا لأوحي إليهم، ولا حاجة إلى إرسال سفير إليهم، بل هو مقام شامخ لا نصيب فيه إلا للمقربين، ومن المعلوم أن المقربين يكونون منزهين عن الرذائل الأخلاقية كالجهل والجبن والحقد والحسد والخشونة والبخل والحرص وأشباهها، فاستحقاق مقام النبوة موقوف على تنزههم عن الأمور التي تنافيه وهو كذلك، ولكن هذا الدليل أخص من المدعى، فإن بعض الأمور التي تكون من المنفرات لا تكون من المنقصات المعنوية، فيمكن أن يكون الناس متنفرين من بعض الأمراض أو بعض العيوب الخلقية (بكسر الخاء) ولكنها لا تكون من المنقصات المعنوية كما لا يخفى.