أن لا يوجد، ومن المعلوم أن الحكمة تقضي أن لا يترك الخير الغالب (1).
ولكن هذا الجواب يفيد فيما يكون من لوازم الطبيعة المادية، وأما ما لا يكون كذلك كالشرور الناشئة من النفوس الإنسانية أو الأجنة كالشياطين فلا يفيد، لأنها سميت من اللوازم، بل تقع عن اختيارهم، فاللازم أن يقال: إن التكامل الاختياري الذي يقتضيه النظام الأحسن يتقوم بالاختيار، إذ بدونه لا يتحقق التكامل الاختياري، ومعه ربما يقع الإنسان أو الجن في الشرور بسوء اختياره. فالأمر يدور بين أن يوجد مقتضيات التكامل الاختياري أم لا توجد والحكمة تقتضي الوجود أن خيرات الاختيار أكثر بمراتب من شروره ومن خيرات الاختيار تكامل المؤمنين والأولياء والشهداء والصديقين والأنبياء والأوصياء والمقربين، والتكامل الاختياري من النظام الأتم الأحسن فيجب أن يوجد قضاء للحكمة، كما لا يخفى.
الثاني: لو سلمنا أن الشرور الحقيقية وجودية فنقول فيها بمثل ما قلنا في الشرور الإضافية في الإشكال الأخير، حاصله أن الشرور الوجودية الحقيقية من لوازم العالم المادي أو النظام الأحسن الأتم كما ذكر فالأمر يدور بين أن يترك العالم المادي مع أن فيه خيرا غالبا أو يوجد والثاني هو المتعين.
ولعل إلى بعض ما ذكر يؤول ما حكي عن أرسطو من أن الشرور الموجودة في العالم المادي لازمة للطبايع المادية بمالها من التضاد والتزاحم، فلا سبيل إلى دفعها إلا بترك ايجاد هذا العالم، وفي ذلك منع لخيراته الغالبة على شروره وهو خلاف حكمته وجوده سبحانه (2).
ومما ذكر يظهر أن الجواب في المسألة ليس موقوفا على عدمية الشرور، بل لو كانت الشرور الحقيقية وجودية لامكن الجواب عنه بالمذكور. ثم إن خلقة