" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " (1)، وقوله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (2)، وقوله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله " (3) إلى غير ذلك من الآيات.
وفيه أولا: أن لازم ما ذكر أن الانسان لا يحتاج في مقام الفاعلية إليه تعالى، بل هو مستقل في ذلك، وهو ينافي التوحيد الأفعالي وانحصار المؤثرية الاستقلالية فيه تعالى.
وثانيا: أن الفعل والفاعل وكل شأن من شؤونه من الممكنات، والممكن ما لم يجب لم يوجد، فإن استند الفعل إلى الواجب المتعال ولو بوساطة المختارين في الأفعال، صار واجبا بالغير ووجد، وإلا فلا يمكن وجوده وإن استند إلى جميع الممكنات. فكما أن الفاعل يستند إلى مسبب الأسباب بالآخرة كذلك فعله مع الاختيار، فلا وجه للتفكيك بينهما مع أنهما كليهما من الممكنات.
وثالثا: أن قبح استناد القبايح إليه تعالى، فيما إذا لم يكن واسطة في البين، وأما مع وساطة المختارين والقادرين، فلا مانع منه ولا قبح فيه، لأن معناه حينئذ هو أن الله تعالى خلق العباد قادرين ومختارين لأن يختاروا ما يشاؤون ويصلوا إلى الكمال الاختياري، والخلق المذكور عين لطف وحكمة، لأن التكامل الاختياري الذي هو من أفضل أنواع الكمالات، لا يحصل بدون اختيار العباد فيما يشاؤون. فما هو القبيح من الاستناد بدون وساطة المختارين لا وقوع له، وما وقع لا قبح فيه، وعليه يحمل ما ورد عن أبي الحسن الثالث - عليه السلام - من أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى، فقال: " لو كان خالقا لها - أي بدون وساطة المختارين والقادرين - لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: " إن الله برئ من المشركين " ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما