تتفرقوا فيه " (1).
ثالثها: في إمكان النبوة، ولا يخفى أنها ممكنة ذاتا، لأن في تكليمه تعالى مع الإنسان الكامل بواسطة أو بدونها، لا يلزم أحد من المحالات كاجتماع النقيضين أو الضدين أو المثلين، إذ تكليمه ليس إلا ايجاد الكلام ونحوه، ومن المعلوم أنه لا يستلزم المحدودية كالجسمية، حتى يناقض مع صرفيته ولا حديته، فلا ريب في إمكانها ذاتا، وإنما الكلام في إمكانها وقوعا، فإن البراهمة (2) زعموا أنها لا فائدة فيها، فلا تصدر عن الحكيم أمرين: أما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا، فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بادراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية، ودخول في حريم البهيمية (3).
وأجيب عن ذلك بأنه لا ريب في فائدة النبوة، فإن النبي إذا أتى بما تدركه العقول أيدها وأكدها وفائدة التأكيد أوضح من أن يخفى، وإن أتى بما لا تدركه العقول من غير طريق الشرع ففائدتها هي الارشاد والهداية، وأي فائدة أعظم من تلك الفائدة؟ ولعل البراهمة زعموا أن العقول حاكمة بثبوت الفائدة في بعض الأفعال وبعدمها في بعض آخر، مع أنها حاكمة في بعضها وليس لها الحكم في الآخر، فلا منافاة بين العقول التي لا حكم لها ومع الشرع الحاكم، إذ لا مناقضة بين اللااقتضاء والاقتضاء كما لا يخفى، ولذلك قال المحقق الطوسي - قدس سره - في تجريد الاعتقاد: " البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد،