ثم إن الفطرة تشبه الغريزة في كونها من خصائص الخلقة ولكنها تفترق عنها بأمور:
(أحدها): أن الفطرة بعد الإشارة والتنبيه لو خليت وطبعها يعني لم تقترن بالموانع تسوق الانسان نحو الكمال المطلق بخلاف غرائز الانسانية فإنها لا جهة لها بدون أن يكون للعقل عليها تحديد واشراف.
(وثانيها): أن حب الكمال المطلق أو الرجاء به عند تقطع الأسباب العادية أو ملائمة عبادة المعبود المطلق أو غير ذلك من الأمور الفطرية ترجع كما عرفت إلى المعرفة الفطرية التي غفل عنها كثير من الناس، بخلاف الغرائز فإنها لا ترجع إلى المعرفة أصلا كما لا يخفى.
ثم إنه يظهر مما ذكر ما في دعوى إن كل ما استدل به لإثبات المبدأ المتعالي متوقف على أصل العلية، لما عرفت من أن المعرفة الفطرية من خصائص الخلقة كالغريزة وإن كان أساس هذه المعرفة والشهود هو معلولية الانسان. نعم تتوقف فطرة العقل على المقدمات البديهية بخلاف فطرة القلب، لما عرفت.
ثم ينقدح مما ذكر جواز الاكتفاء بالمعرفة الفطرية مع شواهد وجودها من الرجاء أو الحب لكمال المطلق، لإثبات المبدأ المتعالي ولولا وساط الناس الذين غفلوا عن وجودها في أنفسهم فلا حاجة إلى الأدلة العقلية، كما لا يخفى.
الثاني: الإمكان، والمراد به إما هو الامكان الماهوي أو الامكان الوجودي، والأول وصف الماهية وأريد به استواء الذات بالنسبة إلى الوجود والعدم بحيث يحتاج ترجح الوجود على العدم إلى السبب الخارجي، أو أريد به سلب ضرورة الوجود والعدم عن الماهية. والثاني وصف الوجود وأريد به افتقار الوجود بحيث يكون عين التعلق والربط والحاجة إلى العلة بحيث لا استقلال له في أصل وجوده وبقائه.
والوجود بعد كونه أصيلا لا يتصف بالإمكان حقيقة إلا بهذا الاعتبار،