ذاتيات الطبيعة المادية، وإلى أن حركة العالم المادي وسوقه نحو الكمال، لا تحصل بدون التزاحم والتضاد وبطلان وانهدام، بل، تكون موقوفة على تلك الأمور التي تسمى شرورا، تظهر فائدة الشرور ومصلحتها. وبذلك ينقدح أن شرية ما سمي شرا بلحاظ إضافته إلى جزئي وشئ خاص لا بلحاظ أوسع وإلا فهو خير وليس بشر (1).
وهذه الفوائد وإن أمكن المناقشة في بعضها كفائدة موت بعض الأفراد لاستعداد المادة لحياة الآخرين، لإمكان أن يقال: توسعة المادة ليست بمحال، فمع التوسعة المذكورة لا موجب لموت بعض الأفراد، ولكن جملة الفوائد تكفي لإثبات كون شرية الأمور المذكورة إضافية جزئية وأما بلحاظ الكل فهي خير وليست بشر.
الرابع: أن البلايا والآفات والعاهات، كثيرا ما تصلح لإعداد الكمالات المعنوية والأخلاقية وهو السر في الابتلاء والامتحان بها، وهذه الكمالات كالتوجه إلى الله والانقطاع إليه والتخلق بالأخلاق الفاضلة، بحيث لو لم تكن تلك الأمور لا يمكن النيل إلى هذه الكمالات المعنوية. مثلا من أصابه مرض وأقدم على العلاج، وصبر فيه، ودعا وتضرع إلى الله تعالى، ورضي بما قدره له من الشفاء أو عدمه، والصحة أو السقم، حصل له من القرب إلى الله تعالى والتخلق بالأخلاق الحسنة ما لم يكن له قبل ابتلائه به، فالمرض أعد له هذا التعالى والتكامل.
وهكذا من صار فقيرا من دون تفريط في الكسب وقنع بما في يده ورضي بما قدر له ولم يخضع لغني طمعا بماله حصل له ملكة المناعة وعزة النفس ونحوهما من الملكات الفاضلة، وهكذا غير ذلك من البلايا والآفات، فإنها تصلح