كان ظلما أو خلاف الحكمة بنظرنا فالضابطة هو ما يريد ويفعل، ولعله لذلك قال القرطبي: إن هذه الآية قاصمة للقدرية وغيرهم، ومراده من القدرية هم المعتزلة الذين يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، ومراده من غيرهم الإمامية.
وكيف كان فهذا الاستدلال ضعيف في غاية الضعف، لأن في الآية احتمالات أخر فلو لم تكن الآية ظاهرة في غير ما توهمه الأشاعرة فلا أقل من أنه لا دلالة لها فيما ذهب إليه الأشاعرة.
ومن الاحتمالات ما ذهب إليه جماعة من المفسرين، من أن المراد أن الله سبحانه لما كان حكيما على الاطلاق كما وصف به نفسه في مواضع من كلامه، والحكيم هو الذي لا يفعل فعلا إلا لمصلحة مرجحة، فلا جرم لم يكن معنى للسؤال عن فعله، بخلاف غيره، فإن من الممكن في حقهم أن يفعلوا الحق والباطل، وأن يقارن فعلهم المصلحة والمفسدة، فجاز في حقهم السؤال، حتى يؤاخذوا بالذم العقلي، أو العقاب المولوي، إن لم يقارن الفعل المصلحة (1) وهو المروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر - عليه السلام - حيث قال جابر: قلت له: يا بن رسول الله، وكيف لا يسأل عما يفعل؟ قال: لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمة وصوابا، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار. فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى كفر، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد (2) ويؤيده أيضا ما روي في الأدعية المأثورة: اللهم إن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن أمره وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة وانما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك