الخصم لا يلتزم بهذه اللوازم الفاسدة.
4 - استدل الأشاعرة على نفي الحكم العقلي في التحسين والتقبيح بأن الأحكام الضرورية لا تتغير ولا تتبدل، كحكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء وليس الحكم بحسن الصدق وقبح الكذب كذلك، لأن الكذب قد يستحسن، كما إذا اشتمل على مصلحة عامة والصدق قد يستقبح، كما إذا اشتمل على مفسدة عامة. هذا مضافا إلى استدلالهم بالدليل السمعي كما سيأتي.
أجيب عن استدلال الأشاعرة على نفي الحكم العقلي بأجوبة:
(أحدها): ما عن المتكلمين وحاصله هو منع التبدل والتغير، حيث إن للكذب النافع حيثيتين يكون الكذب باعتبار أحدهما حسنا، وهو اشتماله على المصلحة، وبالاعتبار الآخر قبيحا، وهو كونه خلاف الواقع وكذبا، وحيث كان جانب الحسن غالبا على جانب القبح، فاللازم هو ارتكاب الكذب النافع، وإن اشتمل على قبح يسير فقبحه لا يزول ولا يتغير، بل يزاحمه مصلحة غالبة.
وفي هذا الجواب نظر، لأن قبح الكذب بعد اشتماله على المصلحة الغالبة، لا يبقى على الفعلية، وكفى ذلك في التبدل والتغير، هذا مضافا إلى أن الحسن والقبح ليسا ذاتيين لعنوان الصدق والكذب، لأنهما من الأمور التي تختلف بالوجوه والاعتبارات، فلا يحمل الحسن والقبح عليهما إلا بتوسيط عنوان ذاتي آخر، فالحسن والقبح ذاتي لذلك العنوان، وعرضي لعنوان الصدق والكذب، والعنوان الذاتي كالعدل في القول، لا يصدق بالفعل على الصدق، إلا إذا كان خاليا عن جهة المفسدة الفعلية، أو كالظلم في القول لا يصدق بالفعل على الكذب إلا إذا كان خاليا عن جهة المصلحة الفعلية، فإذا اشتمل الصدق على جهة المفسدة الفعلية لا يصدق عليه بالفعل إلا عنوان الظلم فلا يكون إلا قبيحا