الشرور بناء على وجوديتها تكون مقصودة بالتبع، إذ خلقة العالم المادي أو النظام الأتم الأحسن لا تمكن بدونها، وأما بناء على كون الشرور عدمية فليس لها وجود حقيقة حتى يتعلق بها قصد حقيقي ولو بالتبع، نعم يتعلق بها بالعرض والمجاز باعتبار تعلقه بالمقارنات المتلازمة للاعدام والشرور (1).
الثالث: أن للشرور الحقيقية على فرض كونها وجودية منافع وفوائد كثيرة مهمة بحيث يمكن سلب الشرية عن الشرور بملاحظتها، ولذا حكي عن أرسطو المعلم الأول أن كثيرا من هذه الشرور مقدمة لحصول خيرات وكمالات جديدة، فبموت بعض الأفراد تستعد المادة لحياة الآخرين، وباحساس الألم يندفع المتألم إلى علاج الأمراض والآفات وإبقاء حياته، إلى غير ذلك من المصالح التي تترتب على الشرور (2).
وإليه يؤول ما ذكره الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره - من أن الموت والشيبة يلازمان لتكامل الروح وانتقاله من نشأة إلى نشأة أخرى، كما أنه لولا التزاحم والتضاد لا تقبل المادة لصورة أخرى، بل اللازم أن يكون لها في جميع الأحوال والأزمان صورة واحدة، وهو كاف للمانعية عن بسط تكامل نظام الوجود، إذ بسبب التزاحم والتضاد وبطلان وانهدام الصور الموجودة، تصل النوبة إلى الصور اللاحقة ويبسط الوجود ويتكامل، ولذا اشتهر في ألسنة الحكماء " لولا التضاد ما صح دوام الفيض عن المبدأ الجواد " هذا مضافا إلى تأثير الشرور في التكامل والتسابق الحضاري والثقافي ألا ترى أنه لولا العداوة والرقابة، لما كانت المسابقة والتحرك، ولولا الحرب لما كانت الحضارة والتقدم، وهكذا. فمع التوجه إلى أن العالم الطبيعي عالم تدرج وتكامل وحركة من القوة إلى الفعل ومن النقص إلى الكمال، وتلك الحركة والتدرج من