الموت، هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة " (1).
لقد صور الإمام (عليه السلام) في هذا الكلام الجو السياسي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبان عن الصعوبة البالغة في صنع القرار المناسب من قبل القائد الواقعي في وسط يتعذر فيه الكلام والصمت. وفي مثل ذلك الوضع لو انتقد الإمام (عليه السلام) حكام عصره وأعرب عن قلقه للقرار المتخذ في السقيفة فهذا لا يعني أنه كان طالب رئاسة. ولو آثر الصمت على النهوض والإطاحة بالحكم القائم فهذا لا يعني أنه يخشى الموت والقتل، وأنه لم يعمل بواجبه خوفا على نفسه.
إن ماضي أمير المؤمنين (عليه السلام) يدحض هذه التهم. وسبب صمته هو أن زمانه لم يساعد على الثورة. وكل تحرك متطرف غير مدروس في ظروف لا يدعم الناس فيها الثورة يشتت المجتمع الإسلامي الفتي ويفضي إلى تسلط أعداء الإسلام. وينبغي أن تتنامى الثورة بالدعم الشعبي العام وحلول الوقت المناسب، عندئذ سيستبين للجميع أكثر من أي وقت مضى أن عليا (عليه السلام) لم يفكر إلا بمصلحة الإسلام والمسلمين، وأنه لو رأى الثورة واجبا عليه فلا حاجة به إلى عرض أبي سفيان الماكر.
وقد كشف مستقبل التاريخ الإسلامي للجميع صحة هذه المزاعم بوضوح. عندما تقلد الإمام (عليه السلام) الأمر ببيعة الناس إياه ودعمهم له بعد خمس وعشرين سنة أمضاها صامتا صابرا، قال - بعد واقعة النهروان - في خصائصه حين قام بالأمر:
" فقمت بالأمر حين فشلوا، وتطلعت حين تقبعوا، ونطقت حين تعتعوا، ومضيت بنور الله حين وقفوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم فوتا، فطرت