الأنبياء في الرعي قبل البعثة فستستبين لنا نقاط رائعة في مجال تعليم القيادة وتجربتها، وكيفية تنمية موهبة الإمامة. فالرعي يعلم طالب الفرع الإداري دروسا متعددة ومتنوعة:
" أليس الرعي نفسه قيادة؟ فالراعي يصون القطيع من الأخطار، ويطرد الذئاب عنه، ويقتاده نحو المراتع الممرعة، ويوصله إلى عين الماء.
يضاف إلى ذلك أن الراعي هو الإنسان الوحيد الذي وقف حياته على حياة القطيع، فقد انقطع عن مدينته ودياره وأسرته وقرابته وجاء إلى الصحراء، وربط مصيره بمصير قطيعه، وحرم نفسه من مواهب الحياة جميعها. ويمضي وقته في البيداء من أجل القطيع، وبكلمة واحدة: يفدي نفسه للقطيع.
ويتعلم الراعي درسا مؤلما آخر أيضا، وهو الدرس الذي إن لم نقل إنه يستحيل على الآخرين فهو صعب عسير في الأقل.
لم يجب أن نتحمل ري بستان تنمو فيه أزهار من ورق لا خير منها؟ ولماذا يضحي بنفسه من أجل طائفة لا تفهم شيئا، ولا تعرفه، ولا تدرك تضحيته؟
ولماذا يفكر بمن لا يفكر إلا ببطنه وسمنته؟ ولماذا يهب حياته وسعادته من لا تهمه إلا حياته هو وسعادته الخاصة؟!
إنها أسمى درجات القيادة حقا.
من هنا، كان الأنبياء جميعهم رعاة. تعلموا المعاناة في الرعي وتمرنوا عليها من أجل قوم كالأغنام التي طأطأت خطمها في الأرض لا تعرف إلا السوام.
إن مجرد الالتقاء بالحمقى يجلب الهم ويأخذ بالخناق، فكيف بالاختلاط بهم والاشتراك معهم في الحياة المعنوية والاجتماعية والعمل؟ وأي عمل؟ إنه العمل الفكري والسياسي، بخاصة " النضال السياسي " في مثل تلك البيئة ومع أولئك الأشخاص!...