نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٤٧٠
أوحي إلي، حذرا من أن لا أفعل، فتحل بي مائة قارعة، لا يدفعها عني أحد، وإن عظمت حيلته، لا إله إلا هو؛ لأ نه قد أعلمني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحي إلي: (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
معاشر الناس! ما قصرت في تبليغ ما أنزله إلي، وأنا مبين لكم سبب هذه الآية؛ إن جبرئيل هبط إلي مرارا ثلاثا، يأمرني عن السلام ربي وهو السلام: أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي، والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله، وأنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [٨] وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع، يريد الله عز وجل في كل حال، وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيها الناس - لعلمي بقلة المؤمنين وكثرة المنافقين وأدغال الآثمين، وختل المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) [٩] (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) [١٠] وكثرة أذاهم لي غير مرة، حتى سموني أذنا، وزعموا أني كذلك، لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم) [١١] ولو شئت أن أسمي القائلين بذلك بأسمائهم لسميت، وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضي الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل الله إلي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) [١٢].
فاعلموا معاشر الناس: إن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، مفترضة طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله، نافذ أمره. ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه ومن صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.
معاشر الناس! إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله - عزوجل - هو وليكم وإلهكم، ثم من دونه رسولكم محمد وليكم والقائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم، وإمامكم بأمر الله ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله عز اسمه ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الله الحلال والحرام، وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه، وحلاله وحرامه إليه.
معاشر الناس! ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا، وهو الإمام المبين.
معاشر الناس! لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه، ولا تستنكفوا من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، والذي فدى رسول الله بنفسه، والذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسول الله من الرجال غيره.
معاشر الناس! فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.
معاشر الناس! إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوا فتصلوا نارا (وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) [١٣].
أيها الناس! بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شيء من قولي هذا فقد شك في كل ما أنزل علي (ومن شك في واحد من الأئمة فقد شك في الكل منه) [١٤] والشاك في ذلك فله النار.
معاشر الناس! حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.
معاشر الناس! فضلوا عليا، فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون، مغضوب مغضوب من رد قولي هذا وإن لم يوافقه، إلا أن جبرئيل أخبرني عن الله تعالى بذلك، ويقول: من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي (ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله) [١٥] أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها (إن الله خبير بما تعملون) [١٦].
معاشر الناس! إنه جنب الله الذي نزل في كتابه: (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) [١٧].
معاشر الناس! تدبروا القرآن وافهموا آياته، وانظروا إلى محكماته، ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره، ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل بعضده، ومعلمكم أن " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها علي.
معاشر الناس! إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقران هو الثقل الأكبر، وكل واحد منهما منبئ عن صاحبه وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا إنهم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثم ضرب بيده على عضد علي، وكان علي (عليه السلام) دون مقامه بدرجة، فرفعه حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
معاشر الناس! هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي، وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله. أقول: ما يبدل القول لدي بأمر ربي. أقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، والعن من أنكره واغضب على من جحد حقه. اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة لعلي وليك عند تبياني ذلك عليهم، ونصبي إياه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [١٨] اللهم إني أشهدك أني قد بلغت.
معاشر الناس! إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل (أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) [١٩] (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) [٢٠].
معاشر الناس! هذا علي أنصركم لي، وأحقكم بي، وأقربكم إلي، وأعزكم علي، والله عزوجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضا إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد الله بالجنة في " هل أتى على الإنسان " إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.
معاشر الناس! هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله وهو التقي النقي، والهادي