وبقرينة قوله تعالى: " وذلك دين القيمة " (1) أو لبيان لزوم الإخلاص في الأفعال العبادية بعد إحراز عباديتها، فلا دلالة فيها على لزوم الإخلاص والقربة في كل ما أمر به.
وأما النبويان فعدم دلالتهما أوضح من أن يبين، فإنهما سيقا لإفادة توقف حصول العناوين المجازى بها على القصد إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وأما الخبر فهو أيضا كذلك لئلا يلزم توضيح الواضح لو اريد من النية نية نفس الأفعال، ولئلا يلزم المحال لو اريد من النية نية القربة واريد من النفي معناه الحقيقي أو يلزم التخصيص الملحق للكلام بالهذل لو اريد نفي الصحة.
وأما تفسيره (قدس سره) النية بالقصد وهو العزم فلأنه هو معناها لغة وعرفا، فعن الصحاح: نويت كذا إذا عزمت عليه، وفي اعتبار اتصالها بالفعل خلاف، فعن المبسوط: " وقت النية عند أول جزء من الصلاة وأما ما يتقدمها فلا اعتبار بها لأنها تكون عزما " انتهى. وذيل العبارة دال على مغايرة النية للعزم.
وعن الفخر في الايضاح التصريح بأن النية حقيقة في الإرادة المقارنة، وعن الذكرى: " ان الإرادة المتقدمة عزم لا نية " انتهى.
والأستاذ - طاب ثراه - اختار عدم اختصاصها بالمقارن، بل جعلها للأعم منه ومن العزم المقيد بأمر مترقب وهو الأقوى، لما نراه في جملة من المسائل الفقهية من كفاية النية المتقدمة في الوضوء والصوم والحج وغيرها، إذا صدر الفعل بذلك الداعي لا بغيره. والتزام أن كلها مخالفة للقاعدة جاءت من الضرورة أو ثبتت من الدليل التعبدي تعسف بحت، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ويعتبر فيها أن يكون ذلك بعنوان الامتثال لله تعالى) لأنه لو لم يقصد بفعله هذا اتيان المأمور به ولو إجمالا، بل قصد نفس الفعل بما هو هو لم يمتثل التكليف المتوجه اليه، بل أوجده أمرا مباينا له، ولا شبهة في عدم اجزائه