يقالان على ما يقالان عليه على سبيل المجاز، فالقدم والحدوث الحقيقيان وهما ما فسرناهما به من أن القديم هو الذي لا يسبقه الغير والمحدث هو المسبوق بالغير، وهما بهذا الاعتبار لا يفتقران إلى الزمان لأن الزمان إن كان قديما أو حادثا بهذا المعنى افتقر إلى زمان آخر وتسلسل، وأما القدم والحدوث بالمجاز فإنهما لا يتحققان بدون الزمان وذلك لأن القديم يقال بالمجاز لما يستطال زمان وجوده في جانب الماضي، والمحدث لما لا يستطال زمانه.
قال: والحدوث الذاتي متحقق.
أقول: قد بينا أن أصناف التقدم والتأخر خمسة أو ستة، ومن جملتها التقدم والتأخر بالطبع (1)، فالحدوث الذاتي هو الذي يكون الوجود فيه متأخرا عن العدم بالذات، وبيانه: أن الممكن يستحق من ذاته عدم استحقاق الوجود والعدم ويستحق من غيره استحقاق أحدهما وما بالذات أسبق مما بالغير فاللااستحقاقية - أعني التأخر الذاتي - متقدم على الاستحقاقية وذلك هو معنى الحدوث الذاتي.
قال: والقدم والحدوث اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع الاعتبار.
أقول: ذهب المحققون إلى أن القدم والحدوث ليسا من المعاني المتحققة في الأعيان، وذهب عبد الله بن سعيد من الأشعرية إلى أنهما وصفان زائدان على الوجود، والحق خلاف ذلك وأنهما اعتباران عقليان يعتبرهما الذهن عند مقايسة سبق الغير إليه وعدمه، لأنهما لو كانا ثبوتيين لزم التسلسل، لأن الموجود من كل واحد منهما إما أن يكون قديما أو حادثا، فيكون للقدم قدم آخر وكذا الحدوث هذا خلف، بل هما عقليان يعتبرهما العقل وينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي.
وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: إذا كان القدم والحدوث أمرين ثبوتيين في العقل أمكن عروض القدم والحدوث لهما ويعود المحذور من التسلسل، وتقرير الجواب أنهما اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع الاعتبار فلا يلزم التسلسل.