قال: وسؤال موسى لقومه.
أقول: لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن احتجاج الأشاعرة، وقد احتجوا بوجوه أجاب المصنف عنها، الأول: أن موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح منه السؤال.
والجواب أن السؤال كان من موسى عليه السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) وقوله: (أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا).
قال: والنظر لا يدل على الرؤية مع قبوله التأويل.
أقول: تقرير الوجه الثاني لهم أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر إليه فقال: (إلى ربها ناظرة) والنظر المقرون بحرف (إلى) يفيد الرؤية لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته، وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة عنه فبقي المراد منه مجازه وهو الرؤية التي هي معلول النظر الحقيقي واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.
والجواب المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف (إلى) لا يفيد الرؤية، ولهذا يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره، وهو أن يقال: إن (إلى) واحد الآلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة، أو نقول: إن المضاف هنا محذوف وتقديره: إلى ثواب ربها. (لا يقال) الانتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم، (لأنا نقول) سياق الآية يدل على تقدم حال لأهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله: (وجوه يومئذ ناضرة) بدليل قوله تعالى: (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل لها فاقرة فلا يبقى للظن معنى، وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سببا للغم بل سببا للفرح والسرور ونضارة الوجه، كمن يعلم وصول نفع إليه يقينا في وقت