رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحى وأيما بالعشي فيخصر (1) وهي حرف للشرط يفتتح به الكلام، ولا بد من الفاء في جوابه لأن فيه تأويل الجزاء، كقوله تعالى: (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) (3). ويكون للتفصيل وهو غالب أحوالها، ومنه قوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) (3). (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) (4). (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما) (5) الآيات إلى آخرها.
ويأتي للتأكيد كقولك: أما زيد فذاهب، إذا أردت أنه ذاهب لا محالة وأنه منه عزيمة.
وإما بالكسر في الجزاء مركبة من إن وما، وقد تفتح، وقد تبدل ميمها الأولى ياء كقوله، أي الأحوص:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها * إيما إلى جنة إيما إلى نار (6) أراد: إما إلى جنة وإما إلى نار، هكذا أنشده الكسائي.
وأنشد الجوهري عجز هذا البيت، وقال: وقد يكسر.
قال ابن بري: وصوابه إيما بالكسر؛ لأن الأصل إما، فأما أيما فالأصل فيه أما، وذلك في مثل قولك: أما زيد فمنطلق بخلاف إما التي في العطف فإنها مكسورة لا غير.
وقد تحذف ما، كقوله:
سقته الرواعد من صيف * وإن من خريف فلن يعدما (7) أي: إما من صيف وإما من خريف. وترد لمعان (8) منها:
للشك: كجاءني إما زيد وإما عمر و، إذا لم يعلم الجائي منهما.
وبمعنى الإبهام: (كإما يعذبهم وإما يتوب عليهم) (9).
وبمعنى التخيير كقوله تعالى: إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) (10).
وبمعنى الإباحة كقوله:
تعلم إما فقها وإما نحوا، ونازع في هذا جماعة من النحويين.
وبمعنى التفصيل (كإما شاكرا وإما كفورا) (11).
ونقل الفراء عن الكسائي في " باب إما وأما " قال: إذا كنت آمرا أو ناهيا أو مخبرا فهي أما مفتوحة، وإذا كنت مشترطا أو شاكا أو مخيرا أو مختارا فهي إما بالكسر.
قال: وتقول من ذلك في الأولى: أما الله فاعبده، وأما الخمر فلا تشربها، وأما زيد فخرج. وتقول من النوع الثاني إذا كنت مشترطا: إما تشتمن فإنه يحلم عنك، وفي الشك: لا أدري من قام إما زيد وإما عمر و، وفي التخيير، تعلم إما الفقه وإما النحو، وفي المختار: لي دار بالكوفة فأنا خارج إليها فإما أن أسكنها وإما أن أبيعها.
وإما قوله والتفصيل إلخ، فقال الفراء في قوله تعالى: (إما شاكرا وإما كفورا): أن إما هنا جزاء، أي: إن شكر وإن كفر، قال: ويكون على ذلك إما التي في قوله تعالى: (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). فكأنه قال: خلقناه شقيا أو سعيدا.
وأحكام أما وإما بالفتح والكسر أوردها الشيخ ابن هشام في المغني وبسط الكلام في معانيها، وحقق ذلك شراحه البدر الدماميني وغيره. وما ذكر المصنف إلا أنموذجا مما في المغني؛ لئلا يخلو منه بحره المحيط، فمن أراد التفصيل في ذلك فعليه بالكتاب المذكور وشروحه.