غير ما حصل فيه العلم ولو على نحو ما هو المفروض في المقام، على معنى كون المراد بقوله:
" كل شئ يكون فيه حرام وحلال " أن كل شئ صالح لأن يوجد فيه فرد حرام وفرد حلال ومحتمل لهما معا فهو لك حلال، كما يفصح عنه صريح صحيحة ضريس قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم أنأكله؟ فقال: " أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكل، وأما ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام " (1).
وظهور الموثقة الذي هو كالصريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب فيكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، ومملوك عندك وهو حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك، أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة " (2).
ولا ينافيه لفظ " بعينه " لكون المراد به العلم بوجود شخص الحرام في محل الابتلاء، وهو مفروض الحصول في المقام، مع قوة احتمال ورودها - بعد تسليم شمولها لصورة العلم المبحوث عنه - في الشبهة الغير المحصورة التي أجمعوا فيها على عدم وجوب الاجتناب، وقضت به الأدلة النافية للعسر والحرج الموجبين هنا لاختلال نظم العالم، مضافة إلى قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق في أكثر صور تلك الشبهة، بل هو الظاهر منها بعد تسليم المقدمة المذكورة، كما يفصح عنه ما حكاه في المجالس عن أبي الجارود قال: سألت الباقر (عليه السلام) عن الجبن؟ فقلت: أخبرني عمن رأى أنه يجعل فيه الميتة، فقال:
" أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض، فما علمت منه ميتة فلا تأكله، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل، والله أني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والتمر والجبن، والله ما أظن كلهم مأمون هذه البرية وهذه السودان " (3).
ثم على فرض تسليم عموم هذه الأخبار لصورتي العلم وعدمه، وكلا قسمي الشبهة، فهي لعمومها قابلة للتخصيص، وأخبار الباب أخص منها مطلقا فتنهض