وبذلك كله يندفع القول بكون الاشتباه المقارن للعلم المفروض مانعا عن ترتب أحكام المعلوم ورافعا لما حدث منها، سواء اريد به المانعية والرافعية الثابتتان بحكم العقل أو خطاب الشرع، فإن قضية كل منهما كون العلم المصادف لهذا الاشتباه مقتضيا تاما لترتب الأحكام جميعا، ومعه لا يعقل المانعية ولا الرافعية.
وأما الوجه الأخير: فلأن مرجع ما ذكر إلى دعوى كفاية الموافقة الاحتمالية في موضع التمكن عن الموافقة القطعية، وهي مما ينكره العقل السليم والوجدان المستقيم، والذي يكشف عن ذلك صحة معاقبة من اقتنع في امتثال الأمر المتوجه إليه باحتمال الموافقة فصادف عمله مخالفة (1) الواقع، من غير فرق في ذلك بين الأفعال والتروك، فإن معنى كفاية الاحتمال كونه قائما مقام العلم مبرءا للذمة، ومعه لا يحسن العقاب على اتفاق المخالفة، لأن الاحتمال من شأنه ذلك.
وبجميع ما ذكر تبين أن وجوب الامتناع عن جميع أطراف الشبهة المتفق عليه لدى الأصحاب ليس إلا وجوبا مقدميا ثابتا بحكم العقل، مضافا إلى خطاب الشرع به أصالة كما تقدم، ومن لوازم الوجوب المقدمي أن لا يترتب على مخالفة عقاب ما لم تفض إلى مخالفة الواقع، وما تقدم من خطاب الشرع لا يستفاد منه في خصوص المقام أزيد من ذلك، فهو في الحقيقة تقرير لحكم العقل، هذا بناء على الإغماض عما هو الأصل المقرر عندنا في الخطابات الواردة في نظاير المقام، وإلا فهي بملاحظة الانسياق العرفي ظاهرة في الإرشاد إلى أمر واقعي من النجاسة أو أحكامها كما في المقام.
ومنها: ما احتج به العلامة في المختلف - على ما نقله في المدارك - (2) من " أن اجتناب النجس واجب قطعا، وهو لا يتم إلا باجتنابهما معا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " (3).
ويمكن إرجاعه بضرب من التأويل إلى ما قررناه، بأن يكون المراد من الاجتناب الواجب المتوقف على اجتنابهما معا اجتنابه على وجه القطع به، حتى يكون الواجب قائما به على هذا الوجه لا الاجتناب الواقعي، ويكون الواجب في الحقيقة هو القطع بالاجتناب لا نفس الاجتناب، أو يكون قوله: " قطعا " قيدا للمحمول لا للإسناد، حتى