يكون وصف الوجوب راجعا إلى القطع، ولولا ذلك لضعف: بأن المتوقف على اجتنابهما معا ليس هو اجتناب النجس الواقعي بنفسه لاتفاق حصوله تارة بالاجتناب عن أحدهما واخرى باجتنابهما بل المتوقف عليه حينئذ العلم باجتناب النجس الواقعي.
وكيف كان فعن صاحب المدارك - وفاقا لشيخه الأردبيلي - (1) الاعتراض عليه:
" بأن اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه إلا مع تحققه بعينه لا مع الشك فيه، واستبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعا إذا لم يحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه غير ملتفت إليه، وقد ثبت نظيره في حكم واجدي المني في الثوب المشترك، واعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضا، والفرق بينه وبين المحصور غير واضح عند التأمل " (2).
وأنت خبير بما فيه، فإن تقييد أدلة أحكام النجاسة بصورة العلم بتحقق السبب وإن كان مسلما ثابتا بالأدلة المتقدم إليها الإشارة، لكن دعوى كون المعتبر في ذلك تحققه بعينه لا ترجع إلى محصل، إلا تقييد الأدلة المقيدة بما يخرج معه علم يكون معلومه مجملا، وهي كما ترى دعوى لا شاهد لها من عقل ولا نقل، بل الشواهد العرفية والعقلية والنقلية متطابقة في خلاف تلك الدعوى كما تقدم بيانه، فمنع سقوط حكم هذه النجاسة ليس من جهة الاستبعاد الصرف، مع ما في جعل ذلك استبعادا غير ملتفت إليه، وتقييده بما لم يحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه من التدافع الواضح، ضرورة أن سقوط حكم هذه النجاسة في الواقع أو الظاهر يقتضي جواز المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه، كما أن منع مباشرة الجميع اعتراف بعدم سقوط حكم النجاسة ولزوم الاجتناب عن الجميع الذي حكم به العقل ووافقه الشرع ليس من أحكام هذه النجاسة من حيث هي حتى يرتفع الاستبعاد عن سقوطه بل هو من أحكام العلم بعدم مباشرة النجاسة.
وأعجب مما ذكر مقايسة المقام على مسألة واجدي المني في الثوب المشترك، فإن وضوح الفرق بين المقامين كما بين السماء والأرض، فإن المكلف في محل البحث عالم بتوجه طلب الشارع إليه لعلمه بتحقق سبب النجاسة بالقياس إليه نفسه، فينعقد معلومه بذلك تكليفا فعليا في حقه فيجب عليه امتثاله على وجه القطع به، بخلاف المقيس عليه الذي لا علم فيه لأحد من المشتركين في الثوب بتوجه الخطاب إليه، من