المقدر، من حيث إنه يختلف بالشدة والضعف والتوسط بينهما، فهل المعتبر تقدير الأشد أو الأضعف أو الوسط؟ لكن عن المحقق الثاني (1) أنه حكى عنه (2) أنه قال في بعض كتبه: " يجب التقدير على وجه تكون المخالفة وسطا، ولا يقدر الأوصاف التي كانت قبل ذلك " واستوجهه.
وعن الشهيد في الذكرى الموافقة له في ذلك قائلا: " فحينئذ يعتبر الوسط في المخالفة، فلا يعتبر في الطعم حدة الخل، ولا في الرائحة ذكاء المسك، وينبغي اعتبار صفات الماء من العذوبة والرقة والصفاء وأضدادها " (3) انتهى.
وعن المحقق المذكور تعليل ما استوجهه: " بأنه بعد زوال تلك الأوصاف صارت هي وغيرها على حد سواء، فيجب رعاية الوسط، لأنه الأغلب، أو للتبادر عند الإطلاق.
قال: " وإنما قلنا إن الزائل هنا لا ينظر إليه بعد الزوال، لأنه لو كان المضاف في غاية المخالفة في أوصافه فنقصت مخالفته لم يعتبر ذلك القدر الناقص، فكذا لو زالت أصلا ورأسا " (4) انتهى.
واعترض عليه: " بأن النظر إلى كلامه الأخير يقتضي كون المقدر هو أقل ما يتحقق به الوصف لا الوسط.
وتحقيقه: أن نقصان المخالفة كما فرضه لو انتهى إلى حد لم يبق معه إلا أقل ما يصدق به المسمى لم يؤثر ذلك النقصان، ولا اعتبر مع الوصف الباقي أمر آخر، فكذا مع زوال الوصف من أصله، واعتبار الأغلبية والتبادر هنا مما لا وجه له " (5) انتهى.
وأنت خبير بما في كل من التعليل والاعتذار وتحقيق المعتبر (6)، أما الأول: فلأن التسوية بين الوصف الزائل وغيره أول الكلام.
وأما الثاني: فرجوعه إلى القياس مع توجه المنع إلى الحكم في المقيس عليه أيضا.
وأما الثالث: فلما يتضح بعد ذلك.
وتحقيق المقام: إنك قد عرفت أن الداعي إلى اعتبار التقدير إنما هو استعلام كون