عدم الالتفات إلى تعارض الدليلين، لأنه أخذ بالمدلولين بعد الفراغ عن تمامية الدليلين.
فظهر أن ما صنعه المشهور هو الموافق للقواعد، وعليه كان المستفاد من الروايتين بعد الجمع والتقييد - مع ملاحظة أن الغرض الأصلي من التقدير والتحديد الواردين فيهما إنما هو حفظ ماء البالوعة عن النفوذ والتعدي إلى البئر -، أن عدم التعدي مشروط بأحد الامور الثلاث من صلابة الأرض في البعد المحدود بالخمس، وأسفلية البالوعة في ذلك البعد أيضا، وكون البعد بينهما سبعة أذرع مع انتفاء الأمرين الأولين.
وبذلك - مضافا إلى ما مر - يظهر الدليل على جمع المشهور، وكونه أولى من الجمع الذي كان يقتضيه الإرشاد على إحدى النسختين.
وبقي الكلام في مستند سائر الأقوال ما عدا قولي المشهور والإرشاد.
أما قول الصدوق: فلعله مبني على الأخذ بالرواية الثانية بعد البناء على التخيير، أو من جهة ترجيحها على الرواية الاولى بمرجح داخلي أو خارجي، أو على العمل بهما معا، بتوهم أنهما من باب العام والخاص المتوافقي الظاهر، نظرا إلى أن الفقرة الاولى من الرواية الاولى مقيسا إلى الفقرة الثانية من الثانية، والفقرة الثانية من الاولى مقيسا إلى الفقرة الاولى من الثانية خاص في مقابل العام موافق ظاهراهما فلا تعارض بينهما، ومعه يجب العمل عليهما معا بحمل الخاص على بيان إحدى فردي العام.
أما عموم فقرتي الرواية الثانية فلأنهما يتضمنان من جهة الوضع صورا ثلاث، وأما خصوص فقرتي الرواية الاولى فلاختصاص كل منهما من جهة الوضع بإحدى الثلاث، وأما موافقة الظاهرين في الحكم فلاتحاد اولى الاولى مع ثانية الثانية في التقدير بالخمس، واتحاد ثانية الاولى مع اولى الثانية في التقدير بالسبع.
وأنت خبير بما في كل من هذه الوجوه من الفساد الواضح:
أما فساد الأولين: فلأن اعتبار التخيير أو الترجيح بين الدليلين المتعارضين إنما هو مبني على عدم إمكان الجمع بينهما بأحد من وجوه التصرف، من تخصيص أو تقييد فيهما معا أو في أحدهما حسبما يقتضيه القواعد والقرائن العرفية، وقد عرفت أن الجمع بنحو التقييد في الروايتين معا مع قيام القرينة على تعيينه ممكن، ومعه لا يعقل التخيير ولا الترجيح.