مرات بل ثمانية دماء قليلة " فلا معنى حينئذ لإلغاء ما يوجبه كل مرة، وليس في ذلك إلغاء لمقتضي مصداق الدم الكثير " (1).
وفيه: أن الجمع بعد فقد المرجح واليأس عن الترجيح، وقد عرفت وجود المرجح، فالأقوى إذن الاكتفاء بمنزوح القليل متكررا حسب تكرر الدم، زاد المجموع على منزوح الكثير أو ساواه أو نقص عنه، وإن كان الاحتياط مع مراعاة جانب الكثير، وأحوط منه الأخذ بالأكثر كائنا ما كان.
وثالثها: قضية إطلاقهم في عدم التداخل مع إطلاق قولهم فيما تقدم بلحوق الجزء بالكل تضاعف النجاسة فيما لو وقع فيه جزءان من حيوان، لكن عن الشهيد (2) أنه مع اختياره القولين المذكورين اكتفى بنزح مقدر الكل، بناء على صدق الاسم فيما لو اتفق وقوع أجزاء الحيوان كلها دفعة أو تدريجا، وقد يقال: بأنه مستثنى من قاعدة عدم التداخل، وكأن القائل بدخول الجزء فيما لا نص فيه أيضا قائل بالاكتفاء.
واعترض عليه الخوانساري في شرح الدروس بأن: " ذلك يستلزم نقصان النزح بسبب زيادة النجاسة، وذلك لأنه إذا وقع جزءان من الحيوان دفعتين بحيث لم يتم كله فعلى القول بالإلحاق وعدم التداخل يجب نزح مقدر ذلك الحيوان مرتين، وعلى القول بإدخاله فيما لا نص فيه يجب نزح ما يجب فيه مرتين، وإذا وقع حينئذ الجزء الآخر الذي يتم به الحيوان يجب نزح مقدره " مرة "، فيلزم المحذور على الأول مطلقا وعلى الثاني إذا كان هذا المقدر أقل من مرتي منزوح مالا نص فيه ".
ثم دفعه (رحمه الله): " بأن الاستبعاد في الامور الشرعية مما لا مجال له خصوصا في أحكام البئر " (3).
وأنت خبير بعدم ابتناء الاعتراض على الاستبعاد الصرف، بل الاعتراض متجه من جهة أن في الحكم المذكور مخالفة للأصل، لابتنائه على انقلاب الحكم الأول الناشئ من قاعدة عدم التداخل المبتنية على قاعدة السببية، ولا معنى له إلا زوال حكم وحدوث حكم آخر، ولا دليل لهم عليه يرفع حكم الأصل.