وأنت خبير بأن هذه الروايات لا ينطبق شئ منها على شئ من الأقوال المتقدمة حتى قول الصدوق أيضا، لأن قضية ذلك القول دخول الثلاثين في التحديد القاضي بجواز الاكتفاء به، وما يمكن توهم انطباقه عليه من الروايات إنما هو صحيحة علي بن جعفر - على ما فهمه الفاضل - (1) وهي كما ترى ظاهرة في الخروج، وكون العبرة بما بين الثلاثين والأربعين من الأعداد، وأقصى ما يتكلف في ذلك إدراج الطرف الثاني وهو الأربعون في الحد، بناء على أن التقييد بالغاية ظاهر في دخول الغاية في المغيى، وأما الطرف الأول فلا مقتضي لاندراجه بحسب الدلالة اللفظية، وادعاء فهم العرف للدخول غير مسموع؛ والمفروض أنه لا أولوية في البين أيضا لتوجب ظن الدخول، وكون مستند دخوله الإجماع ينفيه الخلاف الفاحش المتقدم ومخالفة المشهور.
وأما ما قيل في الاحتجاج للمفيد بمكاتبة ابن بزيع الحاكمة بنزح دلاء، من أن أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب أن يؤخذ به ويصير إليه، إذ لا دليل على ما دونه، على ما حكي عن الشيخ (2) من هذا التقرير للاحتجاج.
ففيه: ما لا يخفى، أما أولا: فلعدم انطباق مورد الرواية على القول المذكور، مع عدم تبين وجه الحكم في تعين الخمس لقليل الدم، نظرا إلى أن السؤال مفروض في القطرات المنبئة عن القلة، وتعين العشرة في ذلك القول مفروض في الكثير.
وأما ثانيا: فلمنع الاختلاف في مفاد صيغ الجمع في نظر العرف على ما قرر في محله، وما عليه النحاة من الفرق بين جموع القلة وجموع الكثرة بكون أقل الأول ثلاثة وأكثره عشرة وهي أقل الثاني اصطلاح لا شاهد عليه، بل العرف شاهد بخلافه، فلا يعدل عنه في خطابات الشرع، ومقتضاه الاقتصار على الثلاثة في الجميع عملا بالإطلاق القاضي بكفاية أقل المراتب.
وأما ثالثا: فلمنع كون لفظة " الدلاء " من جموع القلة على ما هو مضبوط عندهم، ومع كونه من جموع الكثرة فقضية البناء على الفرق المذكور كون العشرة أقل عدد يضاف إلى هذا الجمع لا أكثره.
وأما رابعا: فلمنع تعين الحمل على الأكثر بعد تسليم المقدمتين، بل القاعدة تقتضي