الكرية علة للحكم اللاحق به، ولا يعتبر في العلة التعدية إلى المشبه بعد ما قلنا بتعدي أصل الحكم، لجواز اختلافه مع المشبه به في العلة.
فما عن الكركي في جامع المقاصد بعد نقل كلام العلامة في القواعد - أعني قوله: " وماء المطر حال تقاطره كالجاري " إلى آخره - من الاعتراض عليه بقوله: " وعلى ما اختاره المصنف من اشتراط الكرية في الجاري يلزمه اشتراطها هاهنا.
وقوله: " كالجاري " مع قوله: " فإن لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره، فكالواقف " إنما يظهر - لاختلاف التشبيه - فيه معنى على مقالة الأصحاب، أما على مقالته فالكل سواء " (1).
فلعله غفلة عن ملاحظة ما عرفت عنه من التصريح، مع ما قررناه في توجيه التشبيه.
وكأنه إلى هذا التوجيه ينظر ما عن الفاضل الجواد في شرحه للدروس من قوله:
" واعلم أن تشبيه ماء المطر بالنابع على مذهب المصنف جيد، إذ لا يشترط في النابع الكرية لعدم الانفعال، فيتم تشبيه ماء المطر به، وأما من اشترطها في النابع فلا معنى لتشبيهه، إلا أن يراد أنه كالجاري حال كريته " (2) انتهى.
وبذلك يظهر أنه لا حاجة في الجمع بين كلمات العلامة إلى تكلف توجيهات اخر، كما ارتكبه بعضهم بعد الإيراد عليه بنحو ما عرفت عن جامع المقاصد على ما حكاه الخوانساري في شرحه للدروس قائلا - بعد ما نقل عبارة العلامة -: " وأورد عليه أن الفرق بين الجاري والواقف إنما يظهر عند عدم اشتراط الكرية في الجاري كما هو رأي غيره، وأما على رأيه فلا فرق، إلا أن يفرق بينهما باعتبار أنه لا يعتبر في الكر من الجاري مساواة السطوح، وأيضا يقول فيه بتقوي الأعلى بالأسفل، وكذا يحكم في حال النجاسة بطهره بالتدافع والتكاثر وإن لم يكن الماء الطاهر الدافع قدر كر، كما مر سابقا من احتمال أن يكون مختاره رحمه الله هذه الامور في الجاري بخلاف الواقف، ولا يذهب عليك أن الظاهر من كلامه رحمه الله اشتراط الكرية في ماء المطر " (3) انتهى.
ولا يخفى ما في الجزء الآخر من الغفلة عما عرفت عنه من التصريح بعدم اشتراط الكرية فيه، إلا أن يكون كلامه في الفرق مأخوذا من كتاب لم يذكر فيه ذلك التصريح.
وكيف كان فأصحابنا بعد اتفاقهم ظاهرا على عدم اشتراط الكرية في ماء المطر