العلم بخلاف المعلوم الأول، وإنما يستفاد هذا التعميم من إطلاق قوله (عليه السلام): " لا ينقض اليقين أبدا بالشك " (1) بناء على ما تقدم من أن المراد منع رفع اليد عما كان متيقنا، وهو كما ترى يشمل ما لو كان اليقين المعتبر معه لمجرد الطريقية، أو من جهة الموضوعية.
ومن جملة ما اعتبر فيه العلم واليقين شرعا من باب الموضوعية إنما هو النجاسة المنوطة بالعلم بتحقق سببها، على حسب ما هو موجب الأخبار المتقدمة، فإن المتأمل فيها وفي مفادها يعرف أن الشارع جعل العلم بالنسبة إلى حكم النجاسة جزءا للموضوع، على معنى أن النجاسة وأحكامها لا تثبت إلا فيما علم بتحقق سبب النجاسة فيه.
ومما يستفاد منه ذلك صراحة صحيحة زرارة (2) المتقدمة المشتملة بقوله (عليه السلام):
" تغسله ولا تعيد الصلاة " بعد قول السائل: " فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيته فيه " فإن موضوع النجاسة لو كان هو الواقع من غير مدخلية للعلم فيه إلا من باب الطريقية، كان اللازم إبطال الصلاة والحكم بإعادتها، ضرورة وقوعها في مفروض السؤال مع النجاسة الواقعية، ومن أحكام النجاسة بطلان الصلاة الواقعة معها وفي معناها الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الواردة في اشتمال المصلي على النجاسة، المفصلة بين سبق العلم بها على الصلاة وعدمه، فموضوع النجاسة ما علم فيه بتحقق السبب، أو ما قارنه الحالة المتعقبة للعلم بتحققه إلى أن تصل حد العلم بالخلاف.
ومن هنا يعرف أن العلم بعد ما كان داخلا في موضوع النجاسة لا يمكن دخوله في موضوع الطهارة، وإلا لزم ارتفاع النقيضين، أو ضدين لا ثالث لهما في صورة عدم العلم بشئ منهما كما لا يخفى، ولذا وردت الأخبار المتواترة حسبما عرفت بين صريحة وظاهرة في الحكم بالطهارة ما لم يعلم النجاسة، فموضوع الطهارة حينئذ ما لم يعلم فيه بتحقق سبب النجاسة.
و لا ريب أن هذا الموضوع مما لا يجتمع في الوجود الخارجي مع ما هو موضوع النجاسة، وهو ما علم فيه بتحقق سبب النجاسة، لاشتمال كل على قيد معاند لما قيد به الآخر، فحيثما انتفى العلم وما يقوم مقامه حصل موضوع الطهارة، وحيثما حصل العلم أوما يقوم مقامه انتفى موضوع الطهارة و وجد موضوع النجاسة.