سلم الندرة فهي ندرة وجود لا ندرة إطلاق، ولذلك ترى صدق ماء الحمام على مثله من غير استنكار كما هو ظاهر " (1).
ولا يخفى ما في الأول من كونه مكابرة، ودفعا للضرورة، وما في الثاني من عدم منافاة الصدق في لحاظ العقل عدم شمول الإطلاق له في لحاظ المحاورة المبتنية على اعتبار الظواهر والأخذ بها.
والأولى في الجواب أن يقال: إن الانصراف الناشئ من الغلبة وإن كان يؤخذ به لدخوله في عداد الظواهر النوعية، غير أن الظواهر - أولية أو ثانوية - إنما يعول عليها ما لم يصادفها ما يوهنها، بكشفه عن عدم اعتماد المتكلم في إفادة مطلبه عليها، وقد قام في تلك الأخبار ما يوجب ذلك، لما في جملة منها من التصريح باعتبار وجود المادة، فإن الغلبة موجودة بالنسبة إليها أيضا، بل لم يعهد حمام لم يكن له مادة، بخلاف كرية تلك المادة فإنها قد يتخلفها، فكانت غلبة المادة أولى بالاعتماد عليها في إفادة المطلب، فالتصريح باعتبارها مما يقضي بعدم اعتناء المعصوم (عليه السلام) في خصوص المورد بالغلبة، وعدم اتكاله إليها في الإفادة، وبذلك يضعف تأثير الغلبة المدعاة في الكشف عن حقيقة المراد.
وقد يجاب عن أصل الحجة - بعد تسليم نهوضها دليلا على اعتبار الكرية في المادة:
" بأن بين ما دل على انفعال القليل وبين ما نحن فيه تعارض العموم من وجه، والترجيح مع أخبار الحمام لكثرتها، وتعاضدها، وعدم وجود المعارض فيها، وكونها منطوقة وتلك أكثرها مفاهيم، وبعضها قضايا في موارد خاصة مع معارضتها بكثير من الأخبار.
مضافا إلى أن أخبار الحمام معتضدة بأصالة البراءة، لأن النجاسة تكليف بالاجتناب، وباستصحاب الطهارة، وبأصل الطهارة المستفادة من العمومات على وجه، وما دل على عدم انفعال الماء إلا بما تغير ريحه أو طعمه أو لونه " (2). ولا يخفى ما في هذا الترجيح وما ذكر من المرجحات، لعدم كون شئ منها بشئ عند أهل الدقة والنظر. وقد يعارض: " بأن التقييد في أخبار الحمام أقوى، لكون الإطلاق فيها أضعف " (3) ولعله من جهة ملاحظة الانصراف بالغلبة المدعاة سابقا.