فلابد في إخراجه عن المفهوم من وسط، ولا يصلح له إلا ما دل على أن كون الماء متصلا بالكر ككونه بنفسه كرا في مرحلة الاعتصام عن الانفعال بالملاقاة.
ولا ريب أن أخبار الكر بأجمعها قاصرة عن إفادة ذلك، كما أن أخبار انفعال القليل لا تقضي بشئ من ذلك كما لا يخفى على المنصف، فلا محيص في إنهاض هذا الوسط من مراجعة أخبار الحمام، وقد عرفت أنها خالية عن الدلالة على اعتبار الكرية في المادة، إذ قد تبين أن غلبة الكرية وندرة خلافها لا عبرة بهما هنا، مع أن الغلبة لو صلحت منشأ للأثر هنا لقضت باعتبار الزيادة على الكر بل اعتبار الكرور، لما هو الغالب في مواد الحمامات من وجود كرور من الماء فيها كما لا يخفى على المتأمل وهو كما ترى، فإذا بنى على كون تلك الغلبة ملغاة في نظر الإمام (عليه السلام)، فلم لا يبنى على كون غلبة الكرية أيضا ملغاة في نظره، مع ما فيه من استبعاد واضح لو قيل بالفرق بين ما لو بقيت المادة بقدر الكر وما لو نقصت مثقالا أو عشرة مثاقيل أو عشرين مثقالا، بدعوى: كون الأول من الغالب فيعتصم به ما في الحوض، والثاني من النادر فلا يصلح للعاصمية كما هو لازم القول بالإشتراط، بل هو شئ يعد من المضحكات.
فالإنصاف: أن اشتراط الكرية في المادة مما لا دليل عليه من العقل والنقل، فالقول به خال عن الوجه جدا.
وأما القول بعدم اشتراطها فمستنده - على ما عرفت عن المحقق سابقا - إطلاق نصوص الباب وفتاوي الأصحاب، ولا يخدشه إلا ما ذكره صاحب المدارك: " من عدم صلوحها لمعارضة ما دل على انفعال القليل بالملاقاة، إذ الغالب في مادة الحمام بلوغ الكرية فينزل عليه الإطلاق، والمعتمد اعتبار الكرية لما سيجيء من الأدلة الدالة على انفعال القليل بالملاقاة، ولأن المادة الناقصة عن الكر كالعدم " (1) وأنت بملاحظة ما قررناه بما لا مزيد عليه تقدر على دفع ما ادعاه من تنزيل الإطلاق، ونهوض أدلة انفعال القليل على الاشتراط، ومن العجب أنه ينادي بأعلى صوته في مواضع عديدة - مما سبق ولحق - بنفي العموم عن تلك الأدلة ويتمسك بها هنا، وهو لا يتم إلا مع إحراز العموم.
وأما ما ذكره من الوجه الأخير من كون المادة الناقصة عن الكر كالعدم، فهو