يوجبه من ندرة ونحوها، ضرورة عدم ندرة الكر من الجاري، بل هو عند التحقيق أغلب وأكثر يحسب الأفراد من الراكد كما لا يخفى، فمع فرض شمول المنطوق لكثير الجاري فلابد وأن يشمل المفهوم لقليله أيضا وإن فرضناه نادرا بالقياس إلى قليل الراكد، وإلا لزم كون القضية في جانب المنطوق مستعملة في معنيين:
أحدهما: التعليق على ما يوجب انتفاؤه الانتفاء بالقياس إلى الراكد.
والآخر: بيان تحقق موضوع الحكم وهو الكرية بالقياس إلى الجاري كما في قولك:
" إن رزقت ولدا فاختنه " وهو كما ترى، ومجرد ندرة القليل من الجاري لا يوجب عدم دخوله في موضوع المفهوم، بعد ملاحظة اقتضاء موضوع المنطوق مقابلا في جانب المفهوم، وأما ما ذكره من المرجحات فكلها منظور فيه عدا الأخير منها، ونضيف إليه ما قدمنا الإشارة إليه من كون تخصيص عمومات الجاري لقلة أفرادها تخصيص في الأظهر، فيرجح عليه تخصيص المفهوم لكونه تخصيص الظاهر، تقديما للأظهر عليه.
ثم الظاهر أن مراده (رحمه الله) بأحد العامين اللذين فرض النسبة بينهما عموما من وجه، صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1)، الدالة على عدم فساد كل ذي مادة بمادته ومنه الجاري، الذي يدخل قليله في عموم المفهوم، وإلا فلا تعارض لو اعتبر ذلك العام الخبر المستفيض " كل ماء طاهر حتى يعلم أنه قذر " (2) فضلا عن كونه من باب العموم من وجه، لدخول القليل حينئذ فيما أخذ غاية في ذلك الخبر، إن قلنا بتناوله لمشتبه الحكم، كما أن المفهوم أخص لو فرض الطرف المقابل صحيحة حريز (3)، وصحيحة أبي خالد القماط (4)، وحسنة محمد بن ميسر (5)، لعموم تلك الروايات القليل والكثير، فتخصص بالمفهوم، ولم يقع الاستدلال منه (رحمه الله) إلا بها وبصحيحة محمد بن إسماعيل. (6) * * * * * * *