والمحكي عن فقه الرضا قال (عليه السلام): " وماء الحمام سبيله الماء الجاري إذا كانت له مادة " (1)، وجه الاستدلال بها واضح بعد حمل مطلقها على مقيدها، وقضية ذلك عدم انفعال ماء الحمام - أي ما في حياضه الصغار الغير البالغ كرا - بمجرد الملاقاة عند اتصاله بالمادة.
وربما يقال: بأن في تنزيله منزلة الجاري في خبر ابن سرحان، وتشبيهه بماء النهر في خبر ابن أبي يعفور، إشعارا باعتبار المادة، لأن لكل من الجاري والنهر مادة فلا حاجة فيهما إلى إعمال قاعدة الحمل.
وفيه: أن التشبيه لا يقتضي المشاركة في مناط الحكم، بل غايته المشاركة في أصل الحكم وإن تغاير في المشبه والمشبه به، ألا ترى أنه لو قيل: " زيد كالأسد " لا يقتضي إلا المشاركة في الشجاعة، نعم يمكن الاستناد في اعتبار ذلك في المطلقات إلى الغلبة كما توهم، إذ الغالب في الحمامات وجود المادة وأما ضعف أسانيد جملة منها فمجبور بالعمل في الجملة، فلا يعبأ بما في المدارك (2) من القدح في سند رواية بكر بن حبيب لجهالة بكر.
مضافا إلى أن من رجال السند صفوان بن يحيى، فلا ضير في ضعف من قبله، وقد يوصف السند بالحسن، ولعل وجهه ما استظهره بعض مشايخنا (3) من احتمال كون بكر بن حبيب هنا هو بكر بن محمد بن حبيب، وقد ذكر في ترجمته ما تدل على حسنه، وربما نقل (4) عن الكشي توثيقه وإن أنكره بعضهم، ولكن الاستظهار غير واضح الوجه، وقد يؤيد السند - مضافا إلى ما ذكرنا في صفوان - بما عن الشيخ في العدة من أنه قال في حقه: " أنه لا يروي إلا عن ثقة " (5).
وفيه: أن صفوان يرويه هنا عن ابن حبيب بواسطة منصور بن حازم، فأقصى ما يقتضيه ما ذكر هنا وثاقة الواسطة - مع عدم الحاجة في ثبوت وثاقته إلى ذلك لكونه بنفسه ثقة جليلا - لا وثاقة ابن حبيب، إلا أن يقال بذلك فيه أيضا من جهة رواية منصور عنه، نظرا إلى ما قيل فيه: " من أنه ثقة عين صدوق، من أجلة أصحابنا