مع إمكان المناقشة فيه: بأن العلة إذا كانت بنفسها عامة، فغاية ما يلزم مما ذكر في نفي إرادة المعنى إنما هو ورود تخصيص عليها، ومن المقرر أن العام المخصص حجة في الباقي بعد التخصيص، أي ظاهر في تمام الباقي لا أنه مردد بينه وبين البعض منه، فإنه لو حملناها على إرادة المعنى الثاني لحملناها على تمام الباقي بعد التخصيص، ولو حملناها على إرادة المعنى الثالث لحملناها على البعض منه، وحيث إن البعض الآخر لا يعلم له مخرج فيجب الحمل على الجميع، ومعه يتم الاستدلال فيها.
وأما الإشكال المشار إليه فهو أن اللازم من الحمل على أحد المعنيين الأخيرين دون الأول أن تكون الرواية فارقة بين أقسام القليل الملاقي للنجاسة، مفصلة فيها بالحكم على البعض بالطهارة دون البعض الآخر، والعلة المأخوذة لذلك الحكم هي أكثرية الماء، وهذه العلة كما أنها تجري بالقياس إلى الاستنجاء، كذلك تجري بالقياس إلى مطلق الغسالة، وكما أنها تجري في الغسالة كذلك تجري في مطلق القليل، ومن القبيح عقلا المستقبح عرفا تعليل الفرق بين شيئين أو أشياء بعلة مشتركة بين الجميع، فإن علة الحكم المخصوص بشئ لابد وأن يكون من خصائص ذلك الشئ وإلا لما اختص الحكم به، لئلا يلزم تخلف المعلول عن العلة.
فالأولى أن يقال في الجواب - بعد البناء على كون التعليل في معرض بيان كون الحكم المذكور على خلاف مقتضى القاعدة، حسبما ذكر -: إن المراد بأكثرية الماء بالقياس إلى القذر ليس هو الأكثرية الحسية، ليلزم أحد المحذورات مما ذكر في نفي احتمال المعنى الأول، وما أشرنا إليه من الإشكال بالقياس إلى المعنى الأخيرين - ولو فسرت بما يوجب الاستهلاك - بل المراد بها الأكثرية المعنوية، التي يرادفها القوة العاصمة، فيكون معنى التعليل: أن هذا الماء فيه قوة تعصمه عن الانفعال بذلك القذر، وليس في القذر في مقابلته قوة تزاحم ما في الماء وتترجح عليه فتوجب انفعاله، وهذه القوة مما لا يدري أنها هل هي الحيثية الاستنجائية اللاحقة بالماء، أو الحيثية المطهرية عن الخبث العارضة له، أو مجرد كونه ماء، فتكون العلة مجملة والقدر المتيقن منها الحيثية الاولى، لأنها حاصلة على جميع التقادير في ماء الاستنجاء المسؤول عنه، فلا يظهر من الرواية حكم الماء القليل مطلقا، ولا حكم مطلق الغسالة، فسقط الاستدلال