" توضأ منه " (1).
وجه الدلالة في الأولين: أن السؤال الوارد فيهما يدل على أن السائل كان معتقدا بأن الماء منه ما لا ينجسه شئ، ومنه ما ينجسه شئ، ومشتبها في تشخيص الموضوع وتمييز الأول عن الثاني، وإنما سأل الإمام عما يرفع ذلك الاشتباه فقرره الإمام عليه السلام على الاعتقاد المذكور و أجاب له بما رفع الاشتباه فلولا الحكم كما اعتقده السائل لما كان لتقرير الإمام (عليه السلام) ولا جوابه بما ذكر وجه، بل كان عليه الجواب بما يردعه عن هذا الاعتقاد كما لا يخفى.
وفي الأخير: أن الإمام (عليه السلام) قد استفصل عن مقدار الماء الذي في الحياض، فلو لم يكن فرق بين قليل الماء وكثيره في الحكم لما كان لذلك الاستفصال وجه، بل كان لغوا، وكان عليه الأمر بالتوضي مطلقا تنبيها للسائل على أن الماء بإطلاقه لا ينجس بما ذكر من النجاسات.
واحتمال كون نظره (عليه السلام) في ذلك الاستفصال إلى تشخيص ما يتحقق معه التغير الموجب للنجاسة عما عداه.
يدفعه: أن السؤال الوارد في ذلك يأبى عن ذلك؛ إذ لم يذكر فيه من النجاسات ما يوجب التغير بل لم يذكر فيه نجاسة إلا ولوغ الكلب، وهو كما ترى ليس مما يوجب التغير جدا، ومعه كيف يمكن تنزيل الاستفصال المذكور إلى مراعاة صورة التغير.
ويمكن تقرير الاستدلال بالخبرين الأولين من وجه آخر، وهو: أن مقتضى الجمع بين ما ذكر في السؤال وجواب الإمام المطابق له، أن يقال: إن مفاد الرواية أن الماء الذي لا ينجسه شئ بعنوانه الكلي ما كان كرا، أو ما كان عمقه ذراعين وسعته ذراعا وشبرا، فينعكس هذه الكلية بطريقة عكس النقيض إلى أن ما ليس بكر وما لا يكون عمقه ذراعين وسعته ذراعا وشبرا لا يكون بما لا ينجسه شئ، ولما كان النفي في النفي مما يفيد الإثبات فكان مفاد العكس إثبات النجاسة لما كان فاقدا للوصفين معا وهو المطلوب، غير أن الدلالة فيهما على هذا التقرير تكون من باب المفهوم، فيدخلان في عداد أخبار النوع الثالث، ولا ضير فيه بعد وضوح المطلب.