العملية من الاحتياط والاستصحاب والبراءة بذلك.
فإن أقصى ما يفيده العمومات أن عند عدم العلم بالنجاسة يجب البناء على الطهارة، وهو غير العلم أو الظن بأن المراد بالرطل الوارد في الرواية العراقي، الملازم لطهارة ما زاد عليه، كيف ومن المقرر في محله أن إجمال المخصص ولو في الجملة يسري إلى العام، فيصير مجملا في القدر الذي كان المخصص مجملا بالنسبة إليه، ولا ريب أن ما دل على انفعال ما دون الكر مع ما دل على عدم انفعال الكر مجمل في القدر الذي اريد من الكر وهو يقضي بكون ما دل على طهارة الماء بعمومه مجملا في هذا القدر، ومعه كيف يمكن أخذه بيانا رافعا للإجمال عن الأول، كما أن أقصى ما يفيده الاصول التوصل بها إلى ما هو حكم ظاهري مجعول للمكلف طريقا إلى عمله في مقام الجهل والشبهة، وكيف يلائم ذلك للحكم الواقعي الذي لا ينعقد إلا مع تبين ما هو حقيقة المراد من الخطاب.
وبالجملة: الاصول في جميع مواردها مما لا يجدي نفعا في إحراز الواقع وهذا هو المقصود بالبحث، إلا أن يقال: بأن هذه الوجوه إنما خرجت مستندة بعد الفراغ عن رمي الخطاب بالإجمال واليأس عما يوجب فيه البيان، طلبا لطريق العمل والحكم الظاهري المعمول به عند الجهل.
فيرد عليه أولا: أنه لا وجه حينئذ للتمسك بعمومات الطهارة أصلا كما عرفت وثانيا: أنه لا وجه لذكر تلك الوجوه في عنوان قولهم: " هل المراد بالرطل العراقي أو المدني "؟
فتحقيق المقام: أن الأقوى وإن كان ما صار إليه الأولون، غير أن دليله الذي يمكن التعويل عليه وأخذه حجة فيما بين الرب و العبد منحصر في عاشر الوجوه المتقدمة، فإن حمل " الرطل " الوارد في الرواية المتضمنة لتحديد الكر بألف ومائتا رطل على العراقي من مقتضى الجمع بين تلك الرواية والرواية المتضمنة لتحديده بستمائة رطل، وإنما يتأتى ذلك الجمع بعد ملاحظة الإجماع على أن الكر لا ينقص عن الأرطال العراقية، وامتناع الكذب على الأئمة (عليهم السلام)، ووجوب العمل على أدلة الحجية، وأصالة عدم التقية، وأصالة عدم المعارضة فيما بين الأدلة، وأصالة عدم الإجمال والشبهة، وقاعدة أولوية الجمع مهما أمكن ونحو ذلك.