" ولأجل بعض ما ذكرنا أفتى جماعة كالفاضلين (1) والشهيد (2) بنجاسة الماء المشكوك في كريته، نظرا إلى أصالة عدم الكرية الحاكمة على استصحاب طهارة الماء " (3) الخ.
وممن يظهر منه الموافقة له في تلك المقالة صاحب الحدائق (4) حيث إنه بعد ما بنى في المسألة الآتية على التوقف، حكم في حكم موضوع المسألة بالاحتياط المقتضي للتحرز عن مثل هذا الماء، بل هو صريح جماعة آخرين منهم صاحب المعالم (5) وغيره.
وتحقيق المقام: مبني على النظر في أن مفاد الأخبار الفارقة بين الكر وما دونه بانفعال الثاني دون الأول، هل هو مانعية الكثرة الكرية عن الانفعال أو شرطية القلة للانفعال؟
فعلى الأول يترتب الحكم في موضع الشك بالانفعال، لضابطتهم المقررة من أن المانع المشكوك في وجوده محكوم عليه بالعدم، فيتفرع عليه خلاف مقتضاه من عدم الانفعال، وعلى الثاني يترتب الحكم في موضع الشك بعدم الانفعال، لمكان أن الشرط المشكوك في تحققه يحكم عليه بالعدم، فيتفرع عليه الحكم بخلاف المشروط به.
أو على النظر في أن مفاد الأدلة المخرجة للقليل عن العمومات القاضية بالطهارة وعدم الانفعال بشئ هل هو شرطية الكرية لعدم الانفعال؟ حتى يكون المجموع من المخصص والمخصص نظير ما لو قيل: " أكرم العلماء إن كانوا عدولا "، أو شرطية القلة للانفعال حتى يكون المجموع من المخصص والمخصص نظير ما لو قيل: " أكرم العلماء إلا الفساق منهم "، حيث إن الفسق في ذلك شرط لعدم وجوب الإكرام.
والذي يساعد عليه النظر، ويقتضيه أدلة الباب عموما وخصوصا، أن الحق ما فهم الأولون خلافا للآخرين، وأن أصل الطهارة مما لا مجال إلى رفع اليد عنه ما دام محكما - كما سبق - وجاريا كما في المقام، والوجه في ذلك أن الظاهر المنساق من العمومات المحققة لذلك الأصل كون الطهارة وعدم قبول الانفعال إنما هو من مقتضى الطبيعة المائية بحسب خلقتها الأصلية كما يفصح عنه التعبير بالخلق في قوله (صلى الله عليه وآله): " خلق الله الماء