طهورا لا ينجسه شئ، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " (١)، وبالإنزال في قوله تعالى:
﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ (2)، فيكون الماهية بما هي هي مقتضية للطهارة، وظاهر أن المقتضي ما دام لم يصادف ما يزاحمه من الموانع أو الروافع كان على اقتضائه، والتغيير مع ملاقاة النجاسة حيثما وجدا رافعان لذلك المقتضي، وحاجبان عن الاقتضاء، غاية الأمر أن الأول معتبر لا بشرط شئ من الكرية ولا عدمها، والثاني معتبر بشرط القلة.
ومما يدل على رافعية التغير قوله (صلى الله عليه وآله): " خلق الله الماء طهورا (3) الخ "، وكما أن مفاد التخصيص هنا بحكم ظاهر العرف كون التغير رافعا، فكذلك مفاد أدلة انفعال القليل من المفاهيم والمناطيق الواردة في مواضع خاصة أيضا كون الملاقاة دافعة للطهارة بشرط القلة، غاية الأمر أن التخصيص في الأول قد حصل بمخصص متصل وفي الثاني بمخصص منفصل، فيكون مفاد العمومات مع هذين المخصصين - بعد الجمع بينهما -: كل ماء طاهر لا ينجسه شئ ولا يرفع طهارته إلا تغيره بالنجاسة مطلقا، أو ملاقاته لها بشرط القلة.
وإنما فصل بينهما باعتبار الأول مطلقا والثاني مشروطا، لأن التغير يكشف عن تضاعف النجاسة واستيلائها على الماء بحسب المعنى، فيضعف المقتضي ويخرج عن اقتضائه، لعدم كون الطبيعة المائية علة تامة للطهارة حتى لا يجامعها رافع، وقضية ذلك عدم الفرق فيه بين الكثرة والقلة، بخلاف مجرد الملاقاة فإنه في التأثير لا يبلغ مرتبة التغير فلا يضعف به المقتضي إلا مع انتفاء الكثرة، ولا أنه يخرج عن فعلية الاقتضاء إلا مع القلة.
وأصرح من ذلك في الدلالة على المختار ما رواه المحمدون الثلاث بطرق متكثرة من قولهم (عليهم السلام): " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر " (4)، فإن تعليق الحكم بالطهارة في كل ماء على غاية العلم بالقذارة صريح في أن ما لم يعلم بقذارته كائنا ما كان محكوم عليه بالطهارة، فلو كان الانفعال هو الأصل في موضع الشك لما كان لذلك وجه، بل كان