(الوجه الثالث) ان فرعون وهامان كانا حاذقين في السحر وبه غلبا على قومهما فلعل تلك الأفعال الغريبة كانت مستندة إلى السحر، ولا ينافيه سجوده وتضرعه لله تعالى ودعائه.
فان السحرة لا يخلو سحر من سحرهم عن الآيات والأدعية، وان ضموا إليها أمورا اخر.
فلعل جريان النيل كان من ذلك العلم.
ويجري أيضا في غيره من الموارد في الكفار والمخالفين.
(الوجه الرابع) ان الحكمة الإلهية اقتضت ان يكون طريق التكليف مقرونا بالألطاف والتوفيقات ومحفوفا بالابتلاء والاختبار ومعارضات العقول والأوهام ليتميز المؤمن من غيره والمجاهد من القاعد ومن يغلب الهوى عليه ممن يجري على مقتضى العقول وبزوال الأوهام.
وذلك أن الله سبحانه أرسل إلى فرعون وقومه وموسى وهارون الحجج القاطعة والآيات الباهرة والالطاف الإلهية والتوفيقات الربانية، ولو عملوا فيها بمقتضى العقول وتجردوا عن الأوهام والشكوك لكانت موجبة لايمانهم.
وأما الذي جرى على يد فرعون من الأمور الغريبة، فكان من باب الابتلاء والاختبار لقومه.
وهذا مما ليس فيه اغراء ولا يوجب لفرعون ربوبية ولا نبوة.
وهذا أيضا يجري في غيره من الموارد الكثيرة في طبقات الكفار والمخالفين.
فان كون عبد السلام البصري مثلا يلزم الحيات ويدخل مع تلاميذه النار ويفعل الافعال الغريبة لا يوجب ان يكون مذهبه على الحق ولا ان تكون طريقته هي المثلى لان كثيرا من كفار الهند وغيرهم يصنعون ما هو أغرب واعجب.
(الوجه الخامس) ان الحكمة الإلهية قد جرت بأنه إذا أكمل الحجة على عباده وأقام فيهم البراهين وأكمل فيهم العقول وأرسل إليهم الأنبياء. ولم يبق لهم عذر فان أطاعوه وقبلوا الايمان به وبرسله، جازاهم في الدنيا والآخرة، وان أبوا