قال: عبد لي ملكته على عبيدي وخولته على مفاتيحي فعاداني وأحب من عاداني وعادى من أحببت. قال لبئس العبد عبدك، لو كان لي عليه سبيل لأغرقته في بحر القلزم، قال: أيها الملك اكتب لي بذلك كتابا فدعى بكتاب ودواة فكتب ما جزاء العبد الذي يخالف سيده فأحب من عادى وعادى من أحب إلا ان يغرق في بحر القلزم قال: أيها الملك اختمه، فختمه ثم دفعه إليه.
فلما كان يوم البحر أتاه جبرئيل عليه السلام بالكتاب فقال: خذ هذا ما استحققت به على نفسك وهذا ما حكمت به على نفسك.
أقول: قد أوردوا شبهة في هذا المقام وهو انه يلزم من اجراء الماء مثلا على يدي فرعون اغراء قومه وغيرهم باتباعه وقبول قوله:
وهذا غير جائز على الحكيم، ولم أر من تعرض للجواب عنها، لأنها شبهة فاسدة في نفس الامر، الا ان الشبهات كلها من هذا الباب، فلزم التعرض للجواب عنها، مع أنها لا اختصاص لها في هذا الباب المورد، بل جارية في موارد كثيرة كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
والجواب عنها من وجوه:
(الوجه الأول) ان الأمور التي يظهر بطلانها على العامة والخاصة، ومن اعمل العقل فيها لا اغراء للناس في وجودها، وذلك أن ربوبية فرعون كان أمرا باطلا تدركه العقول والأوهام والأفهام ومن طاوعه عليها لم يكن منها على يقين، ولهذا قالوا له لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن الها غيرك.
فظهر: ان سجودهم له وقولهم بربوبيته انما هو مستند إلى أطماع الدنيا واعتباراتها والهرب من شره وعذابه الذي كان يوقعه لغيرهم وقد أطاعوا في متابعته الأهواء والوساوس الشيطانية، وما كانت التقية تبلغ بهم إلى ذلك الحد وارتكاب الأقوال الباطلة.
وبالجملة فقوله لهم انا ربكم الاعلى، امر ظاهر البطلان، وحينئذ فاجراء ماء النيل مثلا لا يلزم منه اغراؤهم بالقول بربوبيته.