قال: فلما ورد كتاب هشام على سعيد بن عمرو وقرأه وثب قائما، واستوى على بغل له وأمر بني عمه بالركوب فركبوا، وسار حتى قدم على هشام بن عبد الملك وهشام يومئذ على موضع يقال له الرصافة فاستأذن، فأذن له فدخل وسلم فرد عليه هشام السلام ثم أمر بالجلوس فجلس، فقال له هشام: يا سعيد! قتل أخوك الجراح بن عبد الله وقتل إخوانك من المسلمين بأرض أردبيل، فماذا عندك من الغناء؟ (1) فقال سعيد: يا أمير المؤمنين! ما كنت قط أقوى مني هذا اليوم، فقال هشام: الحمد الله على كل حال على ذلك، وكيف بصرك من ضعفه؟ فقال: يا أمير المؤمنين! هذا يوم يبصر فيه الأعمى ولا مخبأ لعطر بعد عروس (2)، قال فقال هشام: أحسنت! وهذا كان ظني بك. قال: ثم أمر هشام فطلب من خزانته رمح من رماح أهل بدر، فما أصيب إلا رمح واحد فأتي به إلى هشام، فعقد للحرشي إلى ذلك الرمح عقدا بيده ودفعه إليه، فقال الحرشي: يا أمير المؤمنين! إني قد رأيت في منامي رؤيا عجيبة، فقال هشام: وما الذي رأيت يا سعيد؟ قال: رأيت كأني أتيت بنخل كثيرة فجعلت أحطمها برمحي حتى أتيت على غايتها، ثم إني أدخلت إلى قبر الجراح بن عبد الله وأخرجت من فيه، ثم انتبهت فزعا مرعوبا، فصرت بنفسي إلى محمد بن سيرين وقصصت عليه ما رأيت، فقال: أما النخل فإنها عساكر الخزر وأنت قاتلها إن شاء الله، وأما دخولك قبر الجراح فأنت الثائر بدمه. قال فقال هشام: والله إني لأرجو أن يقصم الله بك الكفار! وما ذلك على الله بعزيز. قال:
فتناول الحري اللواء ثم صاح بغلام له: يا فرج! خذ هذا اللواء إليك، فقال هشام: يا سعيد! هذا اسمه أو أردت بذلك الفأل؟ فقال: بل هو اسمه يا أمير المؤمنين، قال: فأمر هشام بن عبد الملك له بخمسين درعا وخمسين سيفا وخمسين رمحا وخمسين مغفرا وخمسين قوسا وخمسين كنانة، وحمله على عشرة أفراس عربية، ثم انتخب له وجوه أهل الشام وأشراف العرب فضمهم إليه وقال: سر يا سعيد حتى تنزل الرقة، فلا تبرحها إلى أن يلحقك الناس.
قال: فسار الحرشي في قومه وبني عمه وسادات أهل الشام حتى نزل الرقة، وجعل هشام يندب إليه الناس حتى صاروا في ثلاثين ألفا. قال: ووجه إليه هشام