بشهادة الحق وضرب بسيفه في المشركين حتى يقتل فإنه في الجنة شهيد / فقال له الجراح: بلى يا مردان شاه! إنا نقول ذلك ولا نشك فيه! قال: فخرج الدهقان بسكين كان معه فقطع كشحا كان في وسطه، ثم نزع ثيابه وشهد بشهادة الحق، ثم أخذ سيفه وتقدم نحو الخزر فلم يزل يقاتل حتى قتل. قال: واشتد القتال بين المسلمين والخزر وكلبت الخزر على القتال وجعل المسلمون يروغون عن الحرب (1). فقال: هو ما ترى أصلح الله الأمير! فقال: ناد بهم (هلموا إلى الجنة لا إلى النار! هلموا إلى الهدى لا إلى الحبار! هلموا إلى الرحمن لا إلى الشيطان!
هلموا إلى الجنان لا إلى النيران!) فجعل الغلام ينادي كذلك والقوم يروغون من شدة الحرب، قال: فعندها حمل الجراح وهو يرتجز ويقول:
لم يبق إلا حسبي وديني * وصارم ذو صنعة مسنون لله در الصبر من قرين * قرين صدق غير ما خؤون قال: ثم حمل على جميع الخزر، فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم مقتلة عظيمة وقتل (2).
قال: ووضعت الخزر السيف في أصحاب الجراح فقتلوهم بأجمعهم إلا سبعمائة رجل أو دون ذلك، فإنهم انهزموا حتى صاروا إلى جبل سبلان (3) واشتغل الخزر عنهم بما صار إليهم من الغنائم، وأمر نارستيك بن خاقان بطلب الجراح فطلبوه في القتلى حتى وقفوا عليه، فأمر به نارستيك فاحتز رأسه، ثم احتوى على أمواله وأهله وولده وجواريه وخدمه وجميع ما كان له.
قال: وخرج رجل من عسكره يسمى صقليا، فلم يزل يسير إلى هشام بن عبد الملك، فدفع إليه خاتم الجراح وخبره بخبره وخبر أصحابه وكيف قتلوا، قال:
فبكى هشام بن عبد الملك بكاء شديدا حتى علا نحيبه وبل لحيته بدموعه، وبكى المسلمون في كل بلد حزنا منهم على الجراح وأصحابه، فأنشأ بعض أهل الشام يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
نفسي الفداء لجراح وقد نحبت * نفس الجبان وضاق الورد والصدر