قال: وهرب صاحب البلنجر في نحو من خمسين رجلا من الخزر حتى صار إلى قريب من سمندر (1)، وصارت البلنجر بما فيها من الأموال والنساء والذرية في أيدي المسلمين، فأنشأ رجل منهم يقول شعرا. قال: وأخذ الجراح امرأة صاحب البلنجر وأولاده وخدمه، فنادى عليهم فبلغوا ثلاثين ألف درهم، فاشتراهم الجراح بماله ثم جعلهم في عزلة. قال: وخاض الناس في ذلك فقال قائل منهم: ما اشتراها إلا لجمالها، وقال قائل: وما اشتراها إلا لمالها، وقال بعضهم: ما اشتراها إلا لشرفها في الخزر، قال: وبلغ الجراع ذلك فنادى في الناس فجمعهم ثم قال:
إنه قد بلغني ما تكلمتم به في أمر هذه المرأة وإني لم أشترها لمالها ولا لجمالها ولا لشرفها، ولكني أحببت أن أردها إلى زوجها وأرده إلى مدينته هذه ليكون لنا مصلحة ومجازى لمن أرسله إلى أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك. قال: فقال الناس:
جزاك الله خيرا أيها الأمير! فنعم ما رأيت! قال: ثم بعث الجراح إلى صاحب البلنجر وأعطاه الأمان وأعلمه أنه راد عليه أهله وماله وولده وخدمه، وأنه مقرره في أرضه. قال: فأقبل صاحب البلنجر إلى الجراح بالأمان، فرد عليه أهله وماله وولده وخدمه وأقره في بلده (2).
ثم سار الجراح من أرض البلنجر في جماعة المسلمين حتى نزل على أرض الوبندر (3) وهم يومئذ أربعون ألف بيت. فلما نظروا إلى عسكر المسلمين قد نزل عليهم جزعوا بذلك وعظم لديهم، ثم إنهم سألوا الصلح، فأجابهم الجراح إلى ذلك وأخذ منهم أموالا كثيرة وعزم على المسير منها إلى سمندر، قال: وإذا كتاب ورد عليه من صابح البلنجر مكتوب فيه: أيها الأمير! إني قد أحببت أن أحسن إليك كما أحسنت إلي وأكافيك على فعلك الجميل بردك علي أهلي ومالي وولدي وخدمي، أخبرك أيها الأمير أنه قد اجتمع عليك من الخزر جمع عظيم لا طاقة لك بهم وقد انتقضت عليك ملوك الجبال، فإذا ورد عليك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل راجعا من موضعك الذي أنت فيه، فإني خائف عليك وعلى من معك من أصحابك. قال: فلما ورد كتاب صاحب البلنجر على الجراح بن عبد الله نادى في أصحابه بالرحيل، فرحل ورحل الناس معه راجعين إلى نحو من جبل الكيل، ثم