ثم سار في أربعين ألفا حتى صبح نهر الرن قال: ودنا القوم بعضهم من بعض والجراح بن عبد الله يومئذ على بغلة له دهماء فقال: أيها الناس! إنه ليس لكم من فئة تلجأون إليها بعد الله غيري، وقد علمتم من قتل منكم فإلى الجنة ومن ظفر فالغنيمة والذكر الحسن. قال: ثم تناوش القوم فاختلطوا لساعة وارتفع الرهج والقتام فصارت الريح على الخزر فولوا منهزمين، واتبعهم مسلمون يقتلونهم حتى بلغوا إلى موضع (1) يعرف بالحصين وقد قتل منهم خلق كثير، قال: فغنم الجراح وأصحابه من غنائم الخزر شيئا كثيرا. وأقبل حتى نزل على الحصين يومه ذلك، قال: ونزل أهل الحصين في الأمان وصالحوه على مال فقبل ذلك منهم، ثم حولهم إلى أرض يقال لها حيزان (2) فأنزلهم هنالك، ثم إنه سار من الحصين حتى صار إلى مدينة من مدن الخزر يقال لها برعوفا (3) فأقام عليها ستة أيام يحاربهم، ثم إنهم سألوا الصلح بعد ذلك فأجابهم الجراح إلى ما أرادوا وحولهم إلى رستاق يقال له رستاق قبله فأنزلهم بقرية يقال لها الغانية (4).
ثم سار الجراح من برعوفا حتى صار إلى البلنجر (5) قد جمعوا نيفا على ثلاثمائة عجلة، فشدوا بعضها على بعض وجعلوها حول حصنهم كما دار الحصن ليمنعوا بتلك العجل حصنهم. قال: فوثب رجل من أصحاب الجراح إلى سيفه فاستله عن غمده ثم نادى بأعلى صوته: من يهب نفسه لله؟ فأجابه المسلمون إلى ما سأل، فقال: اتبعوني! فاتبعه قريب من مائة رجل (6) بالسيوف وتقدموا نحو تلك العجلة وسهام الكفار تأخذهم من فوق السور وهم يتقدمون، حتى إذا دنوا من العجل تقدم رجل منهم فضرب حبل عجلة منها، فقطع الحبال وانحدرت العجل تتبع بعضها بعضا منحدرة حتى صارت إلى عسكر المسلمين. قال: واشتد الحرب بين المسلمين وبين أهل بلنجر ساعة من النهار، ثم إنهم انهزموا وأخذ المسلمون الحصن عنوة بجميع ما فيه (7).