حيث كانوا فيقتلهم ولا يبقي على أحد منهم. قال: فلما ورد كتاب يزيد بن عبد الملك إلى أخيه مسلمة بذلك جاء النذير إلى آل المهلب فخبرهم بذلك وهم يومئذ مقيمون بالبصرة، غير أنهم قد أعدوا المراكب فركبوا فيها ومعهم أموالهم ونساؤهم وأولادهم، وقد حملوا معهم دوابهم وأسلحتهم، ثم ساروا في البحر إلى كرمان فخرجوا من مراكبهم هنالك وحملوا ما معهم على الدواب، وساروا يريدون إلى قندابيل (1) من بلاد الهند ليتحصنوا بها.
قال: واتصل الخبر بمسلمة بن عبد الملك أن القوم قد مضوا نحو بلاد الهند فوجه في طلبهم بقائدين: أحدهما يقال له مدرك بن ضب الكلبي، والاخر هلال بن أحوز التميمي، في عشرة آلاف رجل من أهل الشام. قال: فسارت الخيل سيرا حثيثا حتى وافت أرض فارس، ثم خرجوا عنها لا يعرجون على شيء حتى صاروا إلى كرمان، ومن كرمان إلى أرض الهند إلى قندابيل (2)، وبقندابيل (2) يومئذ رجل من الأزد يقال له وادع (3) بن حميد، قد كان ولاه يزيد بن المهلب قبل ذلك. فلما نظر إلى آل المهلب قد لجأوا إلى ما قبله أمر بأبواب المدينة فأغلقت ومنعهم من الدخول إليها. قال: وتوافت عساكر أهل الشام في عشرة آلاف، فلما نظر إليهم المفضل بن المهلب أقبل إلى إخوته وبني عمه فقال: اعلموا أنه الموت، فإن كان لا بد فموتوا كراما، قال: ثم دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا قتالا شديدا، فأول من قتل منهم ممن كان مع المفضل بن المهلب النعمان بن إبراهيم بن الأشتر ومحمد بن إسحاق (4) بن الأشعث بن قيس الكندي وجماعة من سادات أهل العراق.
قال: وجعل آل المهلب خاصة يقاتلون قتالا شديدا قتال قوم قد يئسوا من الحياة، حتى قتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة ثم قتلوا بأجمعهم، فما أفلت منهم إلا من هرب ودخل إلى غياض بلاد الهند، ثم صار بعد ذلك إلى خاقان ملك الترك فآمنهم وأحسن إليهم، فأنشأ موسى بن سحيم التميمي يقول أبياتا مطلعها:
لقد غضبت للدين قيس وشمرت * تميم ولم تفلل تميم وفلت إلى آخرها.